منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، يتبادل حزب الله وإسرائيل القصف بشكل شبه يومي، واشتد تبادل إطلاق النار في الأسابيع الأخيرة، فما تداعيات هذا التصعيد؟ وهل تجتاح القوات الإسرائيلية لبنان من جديد بعد دعوات من الإئتلاف الحكومي الإسرائيلي للتحرك بصورة عاجلة لإعادة الأمن إلى شمال البلاد؟
وفي الأسابيع الأخيرة، اشتد تبادل إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، مع تصعيد الحزب هجماته وتنفيذ الجيش الإسرائيلي غارات أعمق داخل الأراضي اللبنانيّة.
وزاد حزب الله من هجماته بطائرات بدون طيار وصواريخ، وأصاب منشآت عسكرية إسرائيلية مهمة.
وكثفت إسرائيل أيضا هجماتها، واستهدفت مواقع حزب الله في عمق وادي البقاع بجنوب لبنان، بالإضافة إلى كبار المسؤولين العسكريين في الجماعة.
وأجبر القتال، الذي يعد الأعنف بين حزب الله وإسرائيل منذ أن خاضا حربا في عام 2006، عشرات الآلاف من الناس على الفرار من منازلهم على جانبي الحدود.
وخلال ثمانية أشهر أسفر التصعيد المتبادل، عن مقتل 458 شخصا على الأقل في لبنان بينهم 90 مدنيا، وفق تعداد لوكالة “فرانس برس”، وبين القتلى نحو 300 مقاتل من حزب الله.
ومن جهته، أعلن الجانب الإسرائيلي مقتل 15 عسكريا و11 مدنيا.
والأربعاء الماضي، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن بلاده “جاهزة لشن عملية مكثفة للغاية” على الحدود مع لبنان، من أجل أن “إعادة الأمن” إلى شمال إسرائيل، حيث دفع التصعيد مع حزب الله عشرات الآلاف إلى مغادرة منازلهم.
ودعا حليفا نتنياهو من اليمين المتطرف وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، ووزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، إلى التحرك بصورة عاجلة لإعادة الأمن إلى شمال إسرائيل.
ولذلك، يرصد الخبير العسكري والاستراتيجي، العميد إسماعيل أبو أيوب، عدة مؤشرات على “اشتعال متوقع للجبهة الإسرائيلية اللبنانية”.
وهناك “تحضيرات إسرائيلية” لمواجهة موسعة مع حزب الله في إطار “رد إسرائيلي كبير”، بعدما “صعد مسؤولون إسرائيليون وتيرة تهديدهم بشن عملية عسكرية في لبنان”، وفق حديثه لموقع “الحرة”.
وفي ظل عدم تحقيق “أهدافها العسكرية” في قطع غزة، سوف تسعى إسرائيل للحفاظ على “هيبتها” مستخدمة “قوة الردع” ولذلك فمن المتوقع أن يقوم الجيش الإسرائيلي بعملية عسكرية كبيرة في لبنان قريبا، حسبما يؤكد أبو أيوب.
في عام 1982، اجتاحت القوات الإسرائيلية لبنان، وحاصرت بيروت لطرد منظمة التحرير الفلسطينية التي تزعمها الرئيس الراحل، ياسر عرفات، لكن رحيل المقاتلين الفلسطينيين أدى إلى ظهور خصم آخر لإسرائيل، وهو حزب الله.
وفي عام 2006، خاض حزب الله وإسرائيل حربا مدمرة أسفرت عن مقتل 1400 شخص، 1200 منهم في الجانب اللبناني، وغالبيتهم مدنيون.
وسوت الضربات الإسرائيلية في عام 2006 مناطق واسعة من الضواحي التي يسيطر عليها حزب الله في جنوب العاصمة بالأرض، ودمرت مطار بيروت، وقصفت طرقا وجسورا وغير ذلك من مرافق البنية التحتية.
وفر ما يقرب من مليون شخص من منازلهم في لبنان، بينما فر 300 ألف شخص في إسرائيل من منازلهم هربا من صواريخ حزب الله ودُمر حوالي ألفي منزل.
ومن جانبه، يشير الخبير العسكري والاستراتيجي الإسرائيلي، كوفي لافي، إلى أن “الاجتياح الجديد للبنان بات أقرب من أي وقت مضى”، وسط “تحضيرات إسرائيلية غير مسبوقة”.
ويدفع النظام الإيراني حزب الله لـ”التصعيد مع إسرائيل”، بهدف “إشعال المنطقة”، وهو ما سوف يتسبب بـ”زعزعة أمن واستقرار لبنان”، وفق حديثه لموقع “الحرة”.
ويهاجم حزب الله إسرائيل ولذلك “فلا مفر من التصعيد العسكري الإسرائيلي القادم على لبنان”، والقوات الإسرائيلية قادرة على “اجتياح الأراضي اللبنانية، وتدمير ترسانة حزب الله كاملة”، فق الضابط السابق بالجيش الإسرائيلي.
ومن جانبه، يري الخبير العسكري والاستراتيجي اللبناني، العميد متقاعد خليل الحلو، أن هناك” حرب استنزاف حقيقية قائمة بالفعل منذ 8 أشهر على الحدود بين إسرائيل ولبنان”.
وألحقت الحرب أضرار بالغة وجسيمة بلبنان، وهناك 65 قرية جنوبية بها تدمير يتراوح بين 60 إلى 70 بالمئة، وتم تهجير 100 ألف لبناني من الجنوب، فضلا عن خسائر زراعية تقدر بـ4 مليار دولار، وفق حديثه لموقع “الحرة”.
وهناك 100 ألف إسرائيلي تركوا منازلهم في شمال إسرائيل، لكن الخسائر في الجانب اللبناني “أعلى بكثير”، حسبما يؤكد الحلو.
ولطالما اعتبرت إسرائيل حزب الله أكبر تهديد على حدودها، وتشعر بقلق شديد من ترسانته المتزايدة وبسبب وجود موطئ قدم له في سوريا.
لكن الحلو يشدد على أن حزب الله “لا يريد أن يصل لمواجهة موسعة مع الجيش الإسرائيلي”، بينما إسرائيل “متحمسة ومستعدة لشن حرب على لبنان”.
ويتحدث الخبير العسكري والاستراتيجي اللبناني عن “مؤشرات” تدل على أن حزب الله “لا يرغب في حرب واسعة”، فهو لم يطلق رصاصة ولا صاروخ ولا قذيفة على حقول الغاز ومنصات النفط الإسرائيلية، رغم كونها “ضمن نطاق أسلحته”.
ولم يستعمل حزب الله “الصواريخ الدقيقة” التي يمتلكها في استهداف إسرائيل، رغم أنها قادرة على أن تطال “كافة الأراضي الإسرائيلية وأهداف استراتيجية بالداخل الإسرائيلي”، وفق الحلو.
ولكنه يشير إلى “تصعيد ملحوظ” في وتيرة وعدد العمليات اليومية التي يقوم بها حزب الله ضد إسرائيل.
ومعدل عمليات حزب الله ضد إسرائيل خلال الأشهر السابقة كان 8 يوميا، ومؤخرا تجاوزت 12 بشكل يومي وتصل إلى 14 أحيانا، لكنها “رد على ضربات إسرائيلية”، ما يعني أن “المبادرة على الأرض لدي الجانب الإسرائيلي”، حسب الخبير العسكري والاستراتيجي اللبناني.
يحتل الجيش الإسرائيلي المرتبة الـ17 بين أقوي جيوش الأرض، بينما يحل الجيش اللبناني في المرتبة الـ118، وفق موقع “غلوبال فاير باور”.
لكن حزب الله، الذي أسسه الحرس الثوري الإيراني في عام 1982، وتصنفه الولايات المتحدة “منظمة إرهابية”، يمتلك “ترسانة ضخمة”، تبلغ حوالي 135 ألف إلى 150 ألف صاروخ وقذيفة أو أكثر، مع نطاق يصل إلى أكثر من 300 كيلومتر أو نحو ذلك، بما يسمح بالوصول إلى أهداف في عمق إسرائيل.
ولدى حزب الله ما يتراوح بين 100 إلى 400 صاروخ تم تحديثها مؤخرا وتزويدها بأنظمة توجيه دقيقة، وفق “تقديرات خبراء عسكريين”.
والحزب لديه أيضا قذائف دقيقة وطائرات مسيرة وصواريخ مضادة للدبابات وللطائرات وللسفن.
وفي عام 2021، قال زعيم حزب الله، حسن نصر الله، إن الجماعة لديها 100 ألف مقاتل.
ويقول كتاب حقائق العالم الخاص بوكالة المخابرات المركزية الأميركية “سي آي إيه”، إن التقديرات في 2022 أفادت بأن عدد المقاتلين بلغ 45 ألف مقاتل، مقسمين بين ما يقرب من 20 ألفا بشكل نظامي و25 ألفا من قوات الاحتياط.
ولذلك، يستعبد الخبير العسكري والاستراتيجي المصري، اللواء أركان حرب سمير فرج، “اتساع نطاق المواجهات بين إسرائيل وحزب الله أو اجتياح القوات الإسرائيلية للأراضي اللبنانية”.
وإسرائيل “لن تغامر” في توسيع دائرة الصراع مع حزب الله الذي لم يستخدم حتى الآن سوى 10 بالمئة من قدراته، وفق حديثه لموقع “الحرة”.
ولدى حزب الله 160 ألف صاروخ وطائرة مسيرة متعددة المهام، ويمتلك القدرة على إطلاق 3 إلى 4 آلاف صاروخ نحو الأراضي الإسرائيلية أسبوعيا، وهناك 6 آلاف مقاتل تابع للحزب يستطيعون القتال فوق الأرض وبالأنفاق، حسبما يشدد الخبير العسكري والاستراتيجي المصري.
ويرى الخبير العسكري والاستراتيجي أن “المواجهة الإسرائيلية مع حزب الله ستكون صعبة، لأن إسرائيل لا تستطيع القتال على جبهتين في وقت واحد، بينما جبهة غزة مازالت مفتوحة ولم يحقق الجيش الإسرائيلي أي إنجاز ملموس بها خلال 8 أشهر من الحرب”.
ولذلك فإسرائيل “لن تغامر إطلاقا بدخول جنوب لبنان”، وفق اللواء فرج.
لكن على جانب أخر، يتوقع أبو أيوب اجتياح القوات الإسرائيلية الأراضي اللبنانية، وانزلاق الأمور إلى “مواجهة مفتوحة بين الجيش الإسرائيلي من جانب، وحزب الله ومليشيات تابعة لإيران من جانب أخر”.
وحزب الله ليس كحماس وهو “غير موجود بمنطقة محصورة” لكن جنوب لبنان بها عوائق طبيعية عدة، ما يصعب مهمة الجيش الإسرائيلي هناك، وفق الخبير العسكري والاستراتيجي.
ويشير إلى أن السلاح لدى حزب الله “أكبر وأكثر تطورا” مما تمتلكه حماس، وبالتالي فخسائر الجيش الإسرائيلي ستكون “كبيرة على الجانبين العسكري والمدني”.
ومن جانبه، يؤكد لافي أن “إسرائيل تمتلك معلومات دقيقة عن قدرات حزب الله وترسانته من الأسلحة، ومموليهم ومن يساعدهم”.
وهناك مفاجآت إسرائيلية غير متوقعة لحزب الله قريبا، أما الجيش اللبناني فهو بمثابة “شرطة مطورة”، وبالتالي فهو لا يخيف ولا يقلق إسرائيل، وفق الضابط السابق بالجيش الإسرائيلي.
تشكل الجماعات المدعومة من إيران بمنطقة الشرق الأوسط، ما يسمى “محور المقاومة”، وهو تحالف من الميليشيات المسلحة التي تضم حزب الله في لبنان، وحركتي الجهاد وحماس في غزة، والحوثيين في اليمن، وجماعات مسلحة عدة في العراق وسوريا، وهي بمثابة خط دفاع أمامي إيراني.
وفي حال اجتياح إسرائيل للأراضي اللبنانية فقد تتورط إيران بشكل غير مباشر في الحرب من خلال “مشاركة مليشيات إيرانية في الصراع”، ما يعني دخول الولايات المتحدة أيضا على خط المواجهة، وفق الحلو.
ووقتها قد يتوافد مقاتلين موالين لإيران إلى الداخل اللبناني عبر سوريا، وهناك “ضغوط أميركية” على إسرائيل لمنع حدوث ذلك، حسبما يؤكد الخبير العسكري والاستراتيجي اللبناني.
ويشير إلى أنه في حال ضعفت الضغوط الأميركية على إسرائيل، فقد يحدث “الاجتياح الإسرائيلي”، ووقتها قد يكون هناك “تفاهم أميركي إيراني مسبق” بالضغط على حزب الله لمنع “توسع الصراع”.
ولا يهم إسرائيل “القضاء على حزب الله”، ولكن إبعاد الحزب عن الحدود الإسرائيلية لعمق 5 إلى 10 كليو مترات لتفادي “صواريخ الحزب المباشرة” بهدف خلق منطقة عازلة”، حسبما يشير الحلو.
ويقول:” إذا تفاهمت إيران والولايات المتحدة، فسوف يجبر الجانب الأميركي إسرائيل أن تكون العملية العسكرية في الأراضي اللبنانية محدودة”.
لكن دون تفاهم إيراني أميركي سوف يفتح “الباب على مصراعيه”، لصراعات أوسع بالمنطقة، جراء تورط إيران المباشر لأن حزب الله “جوهرة التاج الإيراني” ولن تقبل طهران أن تقوم إسرائيل بتدمير الحزب أو تجريده من قدراته، وفق الحلو.