في ثامن جولاته الشرق أوسطية منذ هجوم السابع من تشرين الأول، واندلاع الحرب في غزة، وصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى إسرائيل، والتقى الوزير المستقيل من حكومة الحرب، بيني غانتس، اليوم الثلاثاء، في وقت تتفاقم فيه الخلافات بين الأخير ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي اعتبر خروجه من الحكومة بمثابة “انسحاب من المعركة”.
التقى بلينكن نتنياهو، الاثنين، قبل أن يعقد اجتماعات، الثلاثاء، مع غانتس وزعيم المعارضة يائير لبيد، ويلتقي أسر المختطفين الإسرائيليين لدى حماس، الذين استقبلوه بلافتات تدعو لتنفيذ مقترح وقف إطلاق النار المعلن من جانب الرئيس الأميركي جو بايدن، نهاية الشهر الماضي.
واعتبر محلل إسرائيلي يميني أن لقاء بلينكن وغانتس في أعقاب خروج الأخير من الحكومة، وعدم حمله لصفة رسمية حاليا “بمثابة تدخل غير مقبول في الشأن الداخلي”، فيما أشار آخر من التيار اليساري إلى أن مثل هذه الاجتماعات طبيعية، إذ يعد غانتس شخصية بارزة تتصدر الترشيحات كمنافس قوي وخليفة محتمل لنتنياهو في أي انتخابات مقبلة.
ودعا بلينكن خلال وجوده في تل أبيب، حركة حماس، إلى قبول المقترح الأميركي بشأن الهدنة، وأكد أن بيانها الأخير الداعم لقرار مجلس الأمن الدولي بشأن المقترح الأميركي “يبعث على الأمل”، لكنه أشار إلى أن “المهم هو ما يصدر من قادة حماس داخل غزة”، في إشارة إلى رئيس الحركة في القطاع يحيى السنوار، على الأرجح.
نشر زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لبيد، صورة له مع بلينكن عبر حسابه بمنصة “إكس”، وكتب: “نحتاج إلى الوصول إلى اتفاق. لن نرتاح حتى عودة الجميع (المختطفين)، ولن تنام هذه الدولة أو ترتاح حتى الوصول لاتفاق”.
كما كتب غانتس على منصة إكس أيضًا، أنه أكد خلال لقاء بلينكن على “ضرورة ممارسة أقصى قدر من الضغوط على المفاوضين في الوقت الحالي، لضمان قبول حماس بالمقترح الذي يعيد الرهائن إلى الوطن”، مشيرًا إلى أنه شدد على “دعم أي ترتيب مسؤول في هذا الشأن”.
واعتبر المحلل الإسرائيلي مردخاي كيدار، في تصريحات لموقع “الحرة”، أن لقاء بلينكن مع غانتس “يعد تدخلا غير مقبول من الإدارة الأميركية في السياسة الداخلية لإسرائيل، وهم لا يدركون أن ذلك يثير الغضب عن كثير من الإسرائيليين، خصوصا الداعمين للحكومة”.
وأضاف أيضًا أن “إسرائيل دولة ديمقراطية، وهذه الديمقراطية أفرزت حكومة، وحتى لو كانت لا تروق لبعض الأميركيين، فإن ذلك لا يوفر لها مبررا للتدخل في مجريات الأمور داخل إسرائيل”.
لكن المحلل صاحب الميول اليسارية، يوآب شتيرن، أوضح أنه حينما يجري وزير خارجية الولايات المتحدة زيارة إلى إسرائيل، فإنه “يرغب في لقاء كافة اللاعبين السياسيين”، مضيفًا أنه “ليس أمرا استثنائيا أن يلتقي زعيم المعارضة لبيد، أو حتى غانتس الذي يلعب دورا كبيرا، وتشير الاستطلاعات إلى أنه يقود الحزب الأكبر في الكنيست القادم”.
وتابع في حديثه لموقع الحرة، “يدرك الجميع أن غانتس خارج الحكومة حاليا، لكن رؤيته واستشاراته مهمة جدا من أجل الوصول إلى حل للوضع الحالي، والولايات المتحدة يجب أن تواصل مثل هذه الاستشارات”.
خلال إعلانه الاستقالة من حكومة الحرب المصغرة، قال زعيم حزب الوحدة الوطنية، غانتس، “للأسف نتنياهو يمنعنا من تحقيق نصر حقيقي، لذلك نحن نترك حكومة الوحدة بقلب مثقل”.
وبعد أن توعد في 18 أيار الماضي، بتقديم استقالته، كشف غانتس، الأحد، أنه استقال من حكومة الحرب في “خطوة قد تزعزع استقرار قبضة رئيس الوزراء نتنياهو الضعيفة على حكومته الائتلافية”، ويُنظر إلى غانتس على أنه ثقل موازن -أكثر ليبرالية- لنتنياهو، وفق صحيفة “واشنطن بوست”.
ويرى شتيرن أن لقاءات بلينكن مع غانتس ولبيد قد تزيد صعوبة التعامل بين الحكومة الحالية وواشنطن، “لكن بالنسبة لي لا نتحدث هنا عن تدخل في السياسة الداخلية، ولم نسمع مثل هذه التصريحات من نتنياهو”.
وتابع في تصريحات للحرة: “نتنياهو يدرك أن الإدارة الأميركية كانت تفضل التواصل مع غانتس حينما كان في الحكومة. وحاليا، يدرك الجميع أن نتنياهو يسيطر على الائتلاف الحكومي ووضع الحكومة مستقر بشكل ما حتى هذه اللحظة، ويجب عليهم (في واشنطن) التعامل مع نتنياهو والتعاطي مع مواقفه”.
يذكر أن غانتس تلقى دعوة لزيارة واشنطن في آذار الماضي، حين عقد لقاءات مع عدد من المسؤولين الأميركيين، وحينها ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن الزيارة أثارت نتنياهو، الذي “لم يأذن له بالرحلة ووبخه (عليها)”.
وقال مصدر مقرب من نتنياهو، إن رئيس الوزراء “أوضح للوزير غانتس أن لدولة إسرائيل رئيس وزراء واحد فقط”، حسبما ذكر موقع “واي نت”.
وقال المصدر، إن الرحلة تم تنظيمها “دون موافقة رئيس الوزراء وتتعارض مع اللوائح الحكومية التي تتطلب من كل وزير الحصول على موافقة مسبقة على السفر مع رئيس الوزراء، بما في ذلك الموافقة على خطة السفر”.
من جانبه يرى كيدار أن هذه اللقاءات “سوف تزيد من نسبة دعم الحكومة لأن الشارع الإسرائيلي يدرك تماما ما تعنيه هذه اللقاءات والتدخلات الأميركية، وللأسف بلينكن لا يدرك ذلك”.
وأوضح في حديثه لموقع الحرة، أن تلك اللقاءات “ستمس بمكانة لبيد وغانتس وكل من يلتقي بهم بلينكن من خارج الحكومة، فهذا أمر غير مقبول شعبيا، حتى بين من لا يدعمون الحكومة. نحن لسنا صغارا بحاجة إلى من يعلمنا كيف نتصرف”.
وكان غانتس قد دعا نتنياهو، خلال مؤتمر صحفي عقده الأحد من تل أبيب، إلى تحديد موعد متفق عليه لإجراء انتخابات مبكرة في إسرائيل، مضيفا: “لابد من انتخابات تأتي بحكومة وحدة حقيقية وطنية”.
وأوضح أن ذلك يجب أن يكون “في أسرع وقت ممكن”، كما طالب نتنياهو بـ”تشكيل لجنة تحقيق وطنية” في هجمات السابع من تشرين الأول.
في المقابل، أعلن وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني، إيتمار بن غفير، الأحد، أنه طالب نتنياهو بضمه إلى حكومة الحرب بعد استقالة غانتس.
وقال في منشور على منصة إكس “قدمت طلبا لرئيس الوزراء. للانضمام إلى حكومة الحرب”.
يأتي ذلك في ظل مساع دولية لإنهاء الحرب في غزة وإعادة المحتجزين لدى حماس في القطاع الفلسطيني، وبعدما أيد مجلس الأمن الدولي، الاثنين، مشروع قرار صاغته الولايات المتحدة يدعم اقتراحا أعلنه الرئيس الأميركي، لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة.
وطرح بايدن في 31 أيار خطة من 3 مراحل لوقف إطلاق النار، واصفها إياها بأنها مبادرة إسرائيلية. وتساءل بعض أعضاء مجلس الأمن عما إذا كانت إسرائيل قد قبلت خطة إنهاء القتال في غزة.
ويرحب مشروع القرار بمقترح وقف إطلاق النار الجديد “الذي قبلته إسرائيل، ويدعو حماس إلى قبوله أيضا، ويحث الجانبين على تنفيذ كل بنوده دون تأخير أو شروط”.
وقال شتيرن إنه فيما يتعلق بإنهاء الحرب “سمعنا تصريحات بلينكن بأن نتنياهو ملتزم بعقد الصفقة، ويعكس ذلك ما دار في لقائهما يوم الاثنين”.
وصرح بلينكن، الثلاثاء، أن نتنياهو أكد خلال لقائهما على التزامه بالمقترح الذي أعلنه بايدن، وأكد أن بيان حركة حماس المؤيد لقرار الأمم المتحدة “بادرة تبعث على الأمل”، معتبرا أن ما يصدر عن قيادة الحركة في قطاع غزة “هو الأهم”.
وفيما يتعلق بإمكانية توتر العلاقات بشكل أكبر بعد لقاءات غانتس ولبيد مع بلينكن، قال كيدار: “التدخلات لا تخدم الأهداف الأميركية المتمثلة في تغيير الحكومة الإسرائيلية”، لكن مسألة “الرغبة في إنهاء الحرب مشتركة للجميع، نريد نهاية الحرب بعد القضاء على حماس، وهذه أولوية كبرى”.