من منا لا يتذكر الطربوش أو رأس العبد ، تلك الشوكولاتة اللبنانية الشهيرة التي استهلكها ملايين الصغار والكبار على مدى عقود؟ تلك الحلوى التي تتكون من كريمة بيضاء مغلفة بشوكولا سوداء وبسكويت دائري في القاعدة، والتي تشبه شكل الطربوش الذي كان يرتديه العديد من الشخصيات اللبنانية والعربية في الماضي. ما هي قصة هذه الحلوى وكيف ارتبطت بلبنان والشعب اللبناني؟
أصل الحلوى وتسميتها
رغم أن رأس العبد أو الطربوش يعتبر من المنتجات الصناعية اللبنانية المميزة، إلا أن أصل الفكرة يعود إلى حلوى ألمانية تسمى “موهرون كوف” أو “رأس المغربي”، والتي تم إنتاجها لأول مرة في أوائل القرن التاسع عشر، وتحمل اسماً عنصرياً يشير إلى العبيد الأفارقة الذين كانوا يعملون في المستعمرات الأوروبية. وقد انتشرت هذه الحلوى في جميع أنحاء العالم بحشوات وأشكال مختلفة، وادعت بعض الدول أنها اخترعتها وأنها حلواها الوطنية
في لبنان، اختار معمل غندور، الذي تأسس عام 1950، إنتاج هذه الحلوى بشكل مماثل للنموذج الألماني، وطرحها في الأسواق اللبنانية والعربية عام 1960، تحت اسم “رأس العبد”، وهو اسم يحمل دلالة عنصرية أيضاً، لكنه كان مقبولاً في ذلك الوقت، ويذكر اللبنانيين بشخصية شعبية معروفة هي “أبو العبد”، وهو ممثل كوميدي لبناني اشتهر بأداء دور الخادم الأسود في المسرحيات والأفلام. وقد تداول المستهلكون هذا الاسم حتى صار على كل شفة ولسان بين الصغار والكبار، واستفاد الصانع من بيع عشرات الملايين من “رأس العبد”، الذي كان المنتج الأكثر مبيعاً في الأسواق، حتى أصبح له اسم تجاري وملكية قانونية
لكن في عام 2003، قرر معمل غندور تغيير اسم هذه الحلوى من “رأس العبد” إلى “الطربوش”، وذلك لأسباب أخلاقية واجتماعية، حيث أن الاسم الأول أصبح يعتبر مهيناً ومسيئاً للأشخاص ذوي البشرة السمراء، وينتهك حقوق الإنسان والمساواة. وقد اختار الصانع اسم “الطربوش” لأنه يدل على تراث لبناني وعربي قديم، ويتناسب مع شكل الحلوى التي تشبه الطرابيش التي كانت ترتديها العديد من الشخصيات التاريخية والثقافية في المنطقة. وقد نظم المعمل مسابقة لاختيار الاسم الجديد، وفازت بها طالبة تدعى ريما الحاج، التي قالت إنها اختارت الطربوش لأنه يعبر عن الهوية اللبنانية والعربية
حلوى تعكس الهوية والتراث اللبناني
الطربوش هو غطاء للرأس كالقبعة أحمر اللون أو من مشتقات اللون الأحمر بين الأحمر الفاتح والأحمر الغامق أو أبيض اللون وهو على شكل مخروط ناقص تتدلى من جانبه الخلفي حزمة من الخيوط الحريرية السوداء[^1^][1]. كان الطربوش يرتديه العديد من الشخصيات التاريخية والثقافية في المنطقة، وكان يرمز إلى الوجاهة والهيبة والأناقة، وكان أيضاً ضرورياً لاستكمال المظهر الذكوري[^2^][2]. كما كان الطربوش يميز من يشغل وظيفة رسمية عالية، فرؤساء الوزارات والوزراء وكبار الموظفين أياً كانت اعتقاداتهم اعتمدوا الطربوش زياً وحرصوا على وضعه على رؤوسهم
الطربوش ليس مجرد غطاء للرأس، بل هو حلوى لبنانية شهيرة تتكون من كريمة بيضاء مغلفة بشوكولا سوداء ومزينة ببسكويت مقرمش. هذه الحلوى تشبه شكل الطربوش، وتحمل في طياتها ذكريات الطفولة والمدرسة والعائلة والأصدقاء. هذه الحلوى تعبر عن الهوية والتراث والتنوع اللبناني، وتجمع بين الشوكولا والكريمة والبسكويت بطريقة فريدة ومميزة.
الطربوش هو حلوى تحكي لبنان بكل ما فيه من تراث وثقافة ونوستالجيا. هذه الحلوى تحمل في نكهتها وشكلها قصصاً كثيرة، قصصاً عن الطفولة والأمومة والأبوة والصداقة والحب والوطن. هذه الحلوى ترمز إلى القوة والصلابة والتحدي في الشعب اللبناني . هذه الحلوى تجسد البساطة والرقة والحلاوة في الحياة
تأثير الحلوى على الشعب اللبناني
رأس العبد أو الطربوش ليس مجرد حلوى لذيذة، بل هو رمز للذكريات والنوستالجيا والحنين إلى الماضي والطفولة للكثير من اللبنانيين والعرب. فهذه الحلوى كانت حاضرة في كل مناسبة وحفلة وعيد ومدرسة وبقالة ومطعم ومقهى، وكانت تمثل مصدراً للسعادة والمتعة والمشاركة والتواصل بين الأهل والأصدقاء والجيران. كما أن هذه الحلوى كانت تحمل قيماً ومعاني تعكس الطبيعة اللبنانية والعربية، فهي حلوى سوداء من الخارج وبيضاء من الداخل، ترمز إلى القوة والصلابة والتحدي في مواجهة الصعاب، وإلى النقاء والبراءة والحب في القلب. كما أنها حلوى تجمع بين الشوكولا والكريمة والبسكويت، ترمز إلى التنوع والتمازج والانفتاح على الثقافات والنكهات المختلفة
وقد أثرت هذه الحلوى على الشعب اللبناني ليس فقط على المستوى الشخصي ولكن أيضاً على المستوى الفني والإبداعي
الطربوش: حلوى تنير الفن والإبداع في لبنان
ألهمت هذه الحلوى العديد من الفنانين والمبدعين لإنتاج أعمال تحمل اسمها أو تتحدث عنها. فمن الأغاني والأشعار والقصص والروايات والمسرحيات والأفلام والمسلسلات والكاريكاتيرات والرسوم المتحركة، كان رأس العبد أو الطربوش حاضراً في الثقافة اللبنانية والعربية، وأصبح جزءاً من الهوية الوطنية والجماعية
طربوش رِبي معنا وربينا عليه
كل لبناني له قصة مع حلوى الطربوش، قصة تربطه بمرحلة من مراحل حياته، قصة تعيده إلى أيام البراءة والسعادة، قصة تجعله يشعر بالحنين والنوستالجيا. فمن منا لا يتذكر كيف كان ينتظر بفارغ الصبر عودة والده من العمل ليجلب له حلوى الطربوش كهدية؟ ومن منا لا يتذكر كيف كان يشارك إخوته وأصدقائه حلوى الطربوش في الحارة أو في المدرسة؟ ومن منا لا يتذكر كيف كان يحتفظ بحلوى الطربوش في جيبه أو في حقيبته كسراً للحظة الصعبة أو الحزينة؟
حلوى الطربوش هي حلوى تحكي قصصاً كثيرة، قصصاً عن الطفولة والأمومة والأبوة والصداقة والحب والوطن. حلوى الطربوش هي حلوى تحكي لبنان بكل ما فيه من تاريخ وثقافة ونوستالجيا. حلوى الطربوش هي حلوى تحكي عنا
رأس العبد يجمع بين الماضي والحاضر والمستقبل
الطربوش هو أكثر من مجرد حلوى، بل هو جزء من تاريخ لبنان وثقافته وهويته. هذه الحلوى تحمل في طياتها ذكريات الطفولة والنوستالجيا والحنين إلى الماضي، وتعكس الطبيعة اللبنانية والعربية من القوة والصلابة والتحدي، والنقاء والبراءة والحب. كما أن هذه الحلوى تربط بين الحاضر والمستقبل، فهي تتجدد وتتطور وتتأقلم مع الزمن والمكان، وتحافظ على تراثها وأصالتها، وتنشر قيمها ومعانيها، وتلهم الفنانين والمبدعين لإنتاج أعمال تحمل اسمها أو تتحدث عنها. رأس العبد أو الطربوش هو حلوى تجمع بين الماضي والحاضر والمستقبل، وتجمع بين اللبنانيين والعرب، وتجمع بين الشوكولا والكريمة والبسكويت.