المولد والنشأة:
مالك بن الحاج عمر بن الخضر بن مصطفى بن نبي، ولد من عام (1322هـ/1905م) بمدينة قسنطينة بالجزائر إبان فترة الاستعمار الفرنسي[1] وهو الذكر الوحيد لأبويه مع شقيقتين[2] تربى في ظل جدته لأمة (زليخة) حيث يصفها بمدرسته الأولى، وفي سن السابعة من عمره، بدأ الوضع المادي لعائلته يتدهور، ما دفع جده لأبيه ببيع جميع أملاك الأسرة، وهاجر من الجزائر التي كانت تقبع تحت الاستعمار الفرنسي ليذهب إلى طرابلس في ليبيا، وكانت تلك الهجرة مدفوعة برحيل العديد من الأسر الجزائرية آنذاك من عام (1325هـ/1908م) فهجر أهلها مدن جزائرية مثل: قسنطينة (مسقط رأس بن نبي) وتلمسان، وكان ذلك بمثابة احتجاج من الأهالي ضد المكوث مع المستعمرين في المدن ذاتها[3]
وكانت تلك الفترة تتسم بطابع فرض العادات الاستعمارية على الأهالي، فشاع الخمر في تلك المدن، وبدأت مظاهر العادات والتقاليد الأوروبية وتحديداً الفرنسية تنتشر، فأضفى ذلك على المدن طابع لم تعرفه من قبل، وبدأت تتلاشى العادات الجزائرية لأضيق نطاق، فأثرت على الجيل الذي لم يعهد هذه المظاهر، ومنهم جد مالك بن نبي، الذي دفعه ذلك لترك الجزائر، فخرج منها وبقيت والدة بن نبي قريبة من أسرتها في تبسة، ورافق جده في رحلة الخروج شقيقه وابنه الذي هو عم بن نبي، وبقي والد بن نبي يعيش في تبسة دون مصدر دخل للعيش. وكان من مآسي هذه المرحلة أن توفي عم بن نبي الأكبر بقسنطينة والذي كان قد تبناه ورباه، فأعادته زوجة عمه مرغمه إلى أهله في تبسة لعدم قدرتها على رعايته في ظل شُح الموارد[4]
التعليم والتكوين الفكري:
بدأت طفولة مالك بن نبي تتشكل في “تِبسة”، حيث تقطن أسرة والدته، وبدأ يتعرف على العائلة الجديدة لأمة وتحديداً جدته لأمه، التي كانت تقص وتحكي له الحكايات التي تأخذ عبرةً حول العمل الصالح وثوابه، والعمل الطالح وعقابه، وقد أثرت هذه المرويات على تكوينه دون أن يشعر وذلك بمرور الوقت، كانت الأسرة تقبع في فقر مدقع، ووالده كان فاقداً لمورد أو وظيفه يتمكن منها على إعالة عائلته الصغيرة، إلا أن والدة مالك حولت المحنة إلى منحة، فعملت كخياطة، واستطاعت من عملها في الحياكة والتطريز أن تُحسن وضع العائلة ولو قليلاً[5]
أكمل مالك بن نبي مرحلة الابتدائية بـ “تبسة”، بمدرسة فرنسية، ونشأت فكرة “ميلاد فكرة” في تلك المرحلة، إذ لتفوقه على أقرانه تمكن من الحصول على منحة فسحت له المجال لإكمال دراسته التكميلية، فأنتقل إلى مسقط رأسه مرةً أخرى “قسنطينة” ودرس بمدرسة “يدي الجليَ” من عام (1921م)[6]
لم تكن “تبسة” جاذبة للاستعمار، إذ قل فيها الحضور الفرنسي، ربما لعدم وجود ما يجذب المستعمر لها بسبب طبيعة أرضها، وهذا ما شكل لأهلها الجزائريين ميزة في ذلك العصر فحفظ لها جزءً من تقاليد الأجداد والآباء بعيداً عن الثقافة الدخيلة[7] عاد جد مالك بن نبي من “طرابلس، ليبيا” وفي تلك الأثناء تعرف عليه عن قُرب في “قسنطينة” حيث كان يتلقى تعليمه، وكان جده منتسباً إلى “الطريقة العيساوية” وهي أسلوب ذو ميل للتصوف[8]
أنهى مالك بن نبي مرحلته الدراسية في “قسنطينة” من عام (1343هـ/1925م)، ولم يرغب في إكمال تعليمه العالي بالعاصمة الجزائر لسببين: 1- مستوى دراسته للمقررات لا يرقى لتأهيله. 2- كان لديه موقف من مدير المدرسة بسبب نزاع مستمر بينهما[9]
السفر لفرنسا:
بعد عدد من التجارب والإخفاقات في محاولة مالك بن نبي لتحديد مسار حياته، قرر أخيراً السفر إلى فرنسا للعمل وذلك من عام (1349هـ/1930م)، فعمل لفترة، ثم عاد ولم يحظ بمعرفة شيء من باريس سوى المكان الذي عمل به، وبرج إيفل[10]
وبعد هذه الرحلة كان قد عزم وخطط على السفر لفرنسا لإكمال دراسته، وكان يخفي ذلك عن والدته، إلا أنها فاجأته ذات مرة عندما اقترحت عليه بعدم ممانعتها حال أراد إكمال دراسته في فرنسا، ووافق والده على ذلك على أن يبعث له ما يكفيه كل شهر[11]
وهناك في باريس، اكتشف مالك بن نبي “معهد الدراسات الشرقية”، فعمد إلى تسجيل اسمه لتتاح له فرصة التقدم للامتحان المُقرر[12] أصبح في ظل وجوده بباريس عضواً مسلماً في سجلات منظمة الوحدة المسيحية، وكان يميل للعزلة كعادة الجزائريين في ذلك الزمان، عندما يجدون أنفسهم في وسط أوروبي، ولكن لم تستمر عزلته إذ سرعان ما أبدى مدير المنظمة رغبته في أن يعرفه على مجموعة من الأصدقاء وذلك عندما أبصره وحيداً[13]
لم يتمكن مالك بن نبي في الالتحاق بمعهد الدراسات الشرقية، وألتحق بمدرسة اللاسلكي لفترة من الزمن ثم لم يلبث أن تركها، وانظم لمدرسة الكهرباء والميكانيك وذلك بعد توصية من معلم الرياضيات بمدرسة اللاسلكي، واستمر بمدرسة الكهرباء والميكانيك إلى أن أنهى دراسته بها، لكنه لم يمنح إجازة الهندسة الكهربائية لأسباب استعمارية حسب وصفه، فالتحق بعد ذلك بمعهد تابع لمتحف الفنون والصناعات ليدرس الكيمياء التطبيقية في الفترة المسائية، كما ودرس علم المساحة بالمراسلة في مدرسة الأشغال العمومية[14]
وفي عام (1349هـ/1931م) وجد مالك نفسه أمام خيار الزواج، فهداه الله للزواج من زوجته التي أسمت نفسها خديجة، فتزوجا من يوم الجمعة بالعام ذاته، وتمكنت زوجته من أن تهيأ المناخ الدراسي المناسب له[15]
مؤلفاته:
لمالك بن نبي ما يربو على (20) مؤلفاً، وذلك في الفترة الزمنية (1946م-1973م)، وجُل محاور كتبه تتناول مسألة “الحضارة” ومشكلاتها[16]
ومن مؤلفاته:
1- الظاهرة القرآنية. 2- شروط النهضة. 3- وجهة العالم الإسلام. 4- المسألة اليهودية. 5-مذكرات شاهد للقرن. 6- مجالس دمشق. 7- كتاب البناء الحديث. 8- كومونولث إسلامي. 9- تأملات. 10- القضايا الكُبرى وغيرها العديد.
وفاته:
توفي المفكر مالك بن نبي بعد عطاء مثمر في يوم الأربعاء من عام (31 أكتوبر، 1973م-05 شوال، 1393هـ)، تاركاً خلفه أفكاراً ستبقى خالدة حول نهضة الأمم والحضارة. ودفن في مقبرة سيدي أمحمد بوقبرين في العاصمة الجزائر.