في العام الماضي، الذي يصادف الذكرى السنوية الستين لأول ساتل صناعي في المدار، تم تسجيل عدد قياسي من الأجسام المدارية لدى الأمم المتحدة، مما يعكس الاهتمام المتزايد لجميع أنواع الجهات الفاعلة بالمشاركة في المجال الحدودي لاستكشاف الفضاء والابتكار. يعمل مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي (UNOOSA)، الذي أنشئ في عام 1958، مع الحكومات ومجتمع الفضاء الأوسع عبر الجوانب المتعلقة بالسياسات، وكذلك الجوانب القانونية والتقنية لبناء القدرات لدعم الأنشطة العالمية في بيئة الفضاء. كما أنه يشرك الجهات الفاعلة في المناقشات حول أفضل السبل لمعالجة حقيقة أن الفضاء أصبح أكثر ازدحاما وتنافسًا بينما يقدم مجموعة متزايدة من الفوائد للبشرية.
استخدام الفضاء لأجل تحقيق التنمية المستدامة
يساهم استخدام الفضاء بشكل إيجابي في مجموعة من مجالات السياسة، بما في ذلك مراقبة المناخ والطقس، والحصول على الرعاية الصحية والتعليم، وإدارة المياه، والكفاءة في النقل والزراعة، وحفظ السلام ، والأمن، والمساعدة الإنسانية. قائمة التطبيقات الفضائية المؤثرة على الأرض لا تنتهي تقريباً، والعديد من المساهمات القيمة الأخرى قيد التطوير أو قيد البحث.
من خلال اعتماد الأطر الدولية الثلاثة الرئيسية في عام 2015—خطة التنمية المستدامة لعام 2030، وإطار سينداي للحد من مخاطر الكوارث 2015-2030، واتفاق باريس بشأن تغير المناخ—تعهد المجتمع الدولي بمعالجة أكبر التحديات التي تحدد عصرنا. تلعب التقنيات الفضائية دوراً متزايداً في الإسراع بتحقيق تلك التعهدات.
لتقييم أثر تكنولوجيات الفضاء على أهداف التنمية المستدامة (SDGs)، انضم المكتب إلى الوكالة الأوروبية لنظام سواتل الملاحة في دراسة أجريت عام 2018 مما يدل على أن 65 من أصل 169 غاية تدعم أهداف التنمية المستدامة تستفيد بشكل مباشر من استخدام أنظمة مراقبة الأرض والملاحة الساتلية. إن دمج سواتل الاتصالات السلكية واللاسلكية، والتي لم تتم تغطيتها في الدراسة، يزيد بشكل كبير من عدد الغايات المتأثرة بشكل مباشر.
من خلال اعتماد أهداف التنمية المستدامة، تم تزويد مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي (UNOOSA) بإطار إضافي، ونسعى جاهدين في جميع أنشطتنا ومبادراتنا لتشجيع وتسهيل استخدام الفضاء للمساعدة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر. ونستخدم نهجاً شاملاً يهدف إلى المساهمة في استخدام علوم وتكنولوجيا الفضاء كأدوات لا تقدر بثمن للمساعدة في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة.
واحدة من أهم القضايا التي نعالجها في هذا الصدد هي معالجة الفجوة بين الجنسين من خلال مشروع “فضاء للمرأة” لتعزيز وتمكين المزيد من النساء والفتيات من لعب دور نشط وعلى قدم المساواة في علوم وتكنولوجيا الفضاء والابتكار والاستكشاف. في سياق الهدف 11 من أهداف التنمية المستدامة بشأن المدن والمجتمعات المستدامة، يحتفظ مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي (UNOOSA) بمنصة الأمم المتحدة للمعلومات الفضائية لإدارة الكوارث والاستجابة لحالات الطوارئ (UN-SPIDER)، والتي يتم استخدامها لتعزيز استخدام تكنولوجيا الفضاء للحد من مخاطر الكوارث وعمليات الطوارئ التي تهدف إلى إنقاذ الأرواح ومنع الإضرار بالممتلكات. إن استخدام الفضاء الخارجي لا يحمل وعدًا للبشرية فحسب، بل يساهم أيضًا في تحسين “الحياة على الأرض” (الهدف 15 من أهداف التنمية المستدامة) لجميع الكائنات الحية من خلال مراقبة النظم الإيكولوجية وحماية الحياة البرية وتتبع ورفع الوعي بشأن إزالة الغابات والتصحر من أجل الحفاظ على الموائل الطبيعية ووقف فقدان التنوع البيولوجي.
الفضاء للجميع
بما أن الفضاء له تطبيقات بعيدة المدى، ينبغي دعم جميع البلدان في الوصول إلى فوائد التكنولوجيا الفضائية التي تسهل التنمية المستدامة. نظرًا لأن المزيد من الدول تستثمر رأس المال المالي والسياسي في بيئة الفضاء، وأصبح العالم يعتمد بشكل متزايد على الفضاء، فإن مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي (UNOOSA) ملتزم بتوفير فوائد الفضاء للجميع في كل مكان.
من أجل مساعدة البلدان في الحصول على فوائد تكنولوجيات وتطبيقات الفضاء، أطلق المكتب في عام 2010 مبادرة تكنولوجيا ارتياد الانسان للفضاء (HSTI)، التي تضم المزيد من الدول في رحلات الفضاء البشرية وغيرها من الأنشطة المتعلقة باستكشاف الفضاء. توفر مبادرة تكنولوجيا ارتياد الانسان للفضاء (HSTI) منصة لتبادل المعلومات، وتعزيز التعاون بين البلدان المرتادة للفضاء والبلدان غير المرتادة للفضاء، وتشجيع البلدان الناشئة والنامية على المشاركة في البحوث الفضائية والاستفادة من التطبيقات الفضائية. تعتبر المبادرة جزءًا من الجهد المبذول للسماح بالوصول إلى التعليم والبيانات والتكنولوجيا والبحث المتعلق بالفضاء وإتاحة الوصول إلى الفضاء للجميع.
بالتنسيق مع الأنشطة في عموم الأمم المتحدة، مثل استراتيجية الأمين العام للتكنولوجيات الجديدة، يحدد مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي (UNOOSA) أفضل استخدام للتقدم التكنولوجي لتنفيذ ولايات المنظمة ككل.
يعمل مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي (UNOOSA) أيضًا بشكل مباشر مع الدول الأعضاء بشأن القضايا المتعلقة بالوصول إلى الفضاء. في عام 2015، كجزء من مبادرة تكنولوجيا ارتياد الانسان للفضاء (HSTI)، أنشأنا برنامج تعاون غير مسبوق مع وكالة استكشاف الفضاء اليابانية (JAXA) يسمى (KiboCUBE). يتيح البرنامج للمؤسسات التعليمية والبحثية من البلدان النامية الاستفادة من نموذج (JAXA Kibo) لنشر سواتل صغيرة بحجم المكعب من محطة الفضاء الدولية. تم تصميم سواتل “CubeSats” هذه وتطويرها وتصنيعها واختبارها وتشغيلها بواسطة المؤسسة المختارة. في أيار/ مايو 2018، حطمت وكالة استكشاف الفضاء اليابانية (JAXA) ومكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي (UNOOSA) ووكالة الفضاء الكينية الأرقام القياسية للتعاون الدولي في مجال الفضاء من خلال تحقيق إطلاق أول ساتل لكينيا وأول ساتل يتم إطلاقه تحت رعاية الأمم المتحدة.
إنَّ الشراكات في إطار مبادرة تكنولوجيا ارتياد الانسان للفضاء (HSTI)، مثل شراكة (KiboCUBE)، تستخدم نهجًا ثلاثيًا لبناء القدرات في الفضاء، حيث يجمع مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي (UNOOSA) بين الدول المرتادة للفضاء لمساعدة الدول غير المرتادة للفضاء على تطوير قدراتها الفضائية الخاصة بها. لقد لعب المكتب دوراً حاسماً في سد الفجوة الفضائية من خلال توجيه الفرص المناسبة التي توفرها البلدان التي لديها قدرات فضائية للمؤسسات في البلدان النامية التي بخلاف ذلك، لديها احتمال ضئيل أو معدوم في إجراء البحوث العلمية المتعلقة بالفضاء.
الثورة الثانية في قطاع الفضاء
هناك بالفعل العديد من التغييرات والتحديات الملموسة على الطرق التقليدية للقيام بالأنشطة الفضائية، مع دخول العديد من الجهات الفاعلة الجديدة إلى هذا المجال والتكنولوجيات الجديدة التي تؤثر على جهودنا. عندما بدأ عصر الفضاء بإطلاق سبوتنيك 1 في عام 1957، كان هناك دولتان فقط تنشطان في بيئة الفضاء. اليوم، لدينا أكثر من 70 وكالة فضاء وطنية وإقليمية تعمل على توسيع معرفتنا بالفضاء، وتطبيق علوم وتكنولوجيا الفضاء لتحسين حياة الناس في جميع أنحاء العالم. وتنضم الآلاف من الجهات الفاعلة الأخرى إلى مجتمع الفضاء، من خلال قطاع فضائي خاص راسخ.
لقد أصبح للعدد المتزايد من الجهات الفاعلة تبعات على طبيعة الأنشطة الفضائية ذاتها، والتي تدعمها بوضوح الإحصاءات والإنجازات الهامة. وبما أن مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي (UNOOSA) يقوم بمسؤوليات الأمين العام للأمم المتحدة الناشئة عن قانون الفضاء الدولي المعتمد تحت رعاية المنظمة، فإننا نحتفظ بسجل الأجسام المطلقة إلى الفضاء الخارجي. في العام الماضي، من بين العدد القياسي البالغ 553 جسمًا المسجل لدى مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي (UNOOSA)، كان هناك 489 ساتلاً. مع تحسين القدرة على إطلاق سواتل متعددة بعملية إطلاق واحدة، ضاعف إجمالي عدد هذه الأجسام تقريبًا الرقم القياسي السابق البالغ 242 من عام 2014. اليوم، يوجد أكثر من 1,800 جسم تشغيلي في المدار، العديد منها يوفر خدمات وبيانات تقود التنمية المستدامة في جميع أنحاء العالم.
إن إطلاق عدد من الأقمار الصناعية للغرض نفسه، وهو تشكيل “كوكبة”، هو تطور آخر للطريقة التقليدية التي يتم بها نشر هذه الأجسام. في عام 2017، أطلقت منظمة أبحاث الفضاء الهندية (ISRO)، باستخدام أحد أكثر صواريخها موثوقية، من مركز ساتيش دوان للفضاء رقماً قياسياً بلغ 104 سواتل في رحلة واحدة؛ كان 88 من السواتل لتشكيل كوكبة من شأنها أن تستخدم لتصوير الأرض بتكلفة منخفضة. تُظهر هذه التطورات كيف تتطور تكنولوجيا الفضاء وتعمل كمثال وثيق الصلة لكيفية أن تصبح إدارة بيئة الفضاء متعددة الجوانب بشكل متزايد.
مع التوسع السريع لأصحاب المصالح في الوصول إلى الفضاء، بلغت القيمة التقديرية لقطاع الفضاء أعلى مستوى على الإطلاق عند 383.5 مليار دولار في عام 2017، مع تمثيل الأنشطة الفضائية التجارية لأكثر من 75 بالمئة من تلك القيمة. توضح هذه الإحصاءات إلى أي مدى أصبحت الكيانات الخاصة جهات فاعلة رئيسية في هذا المجال. تظهر توقعات القيمة المستقبلية للقطاع ارتفاعًا بوتيرة هائلة، لتصل من 1.1 تريليون دولار إلى 2.7 تريليون دولار على مدار الثلاثين عامًا القادمة. هذه الأرقام تجعل الفضاء مشروعًا أكثر جاذبية مع خلق تحديات إضافية للسياسة والقانون والعلوم والتكنولوجيا.
مناقشة حقائق جديدة في الفضاء
منذ بداية عصر الفضاء، كان التعاون الدولي الفعال ضروريًا لضمان الاستخدام الآمن والمؤمّن والمستدام للفضاء. أصبحت حوكمة الفضاء، التي توصف بأنها المشاعات العالمية الأكثر توسعية للبشرية، ناضجة بشكل متزايد بسبب العدد المتزايد من الجهات الفاعلة، الحكومية وغير الحكومية، وكذلك التقنيات والمناهج الجديدة مثل الشراكات بين القطاعين العام والخاص ومبادرات التمويل الخاصة.
منذ بداية الأنشطة الفضائية في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، أصبحت الأمم المتحدة، من خلال لجنة استخدام الفضاء الخارجي في الأغراض السلمية (COPUOS)، مكاناً لمناقشة المشاريع في الفضاء الخارجي والمساعي الوطنية والقانون الدولي للفضاء والتحديات التي تواجهه الطريقة التي نجري بها الأنشطة الفضائية. وبصفته الجهة الميسرة العالمية لمثل هذه المناقشات، ويعمل كأمانة للجنة استخدام الفضاء الخارجي في الأغراض السلمية (COPUOS)، يلعب مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي (UNOOSA) دوراً رئيسياً في دعم عملية وضع السياسات الحكومية الدولية. من خلال لجنة استخدام الفضاء الخارجي في الأغراض السلمية (COPUOS)، يدعم مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي (UNOOSA) مناقشات السياسة العامة حول قضايا شؤون الفضاء الناشئة، بما في ذلك استخراج موارد الفضاء، وإدارة حركة المرور في الفضاء، وإدارة “الكوكبات الضخمة” المكونة من سواتل صغيرة. لذلك، من الأهمية بما كان أن تواصل الأمم المتحدة التعامل مع أصحاب المصالح لدعم وتشجيع الحوار بين الحكومات والصناعة والقطاع الخاص والأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني من أجل معالجة التحديات والتصدي للتغيرات في بيئة الفضاء بشكل فعال.
إن الأهداف العالمية مصممة لمواجهة التحديات العالمية مجتمعة. يمكن أن يتم استخدام تكنولوجيا الفضاء لدعم هذه المساعي، وسوف تستخدم بالفعل لذلك. ولكن في حين أن التطورات الأخيرة في الفضاء الخارجي تعزز جهودنا للوصول إلى عالم مستدام، يبقى الفضاء مورداً محدوداً يجب حمايته من خلال رؤية واحدة مشتركة. مع تزايد عدد الجهات الفاعلة، بما في ذلك عدد متزايد من الدول والكيانات الخاصة التي تدخل ميدان الفضاء، يجد العالم اليوم نفسه على مفترق الطرق الحاسم الذي حدث في عام 1957، بعد وقت قصير من إطلاق سبوتنيك.
من دعم الجهود العالمية، إلى استخدام تكنولوجيا الفضاء لتحقيق التنمية المستدامة، إلى الحفاظ على الإطار المعياري الذي يحكم الأنشطة في بيئة الفضاء، لدى الأمم المتحدة إرث طويل من تسهيل التعاون الدولي في الفضاء الخارجي. يفخر مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي (UNOOSA) بتمثيل هذا الإرث ونحن نواصل العمل لجلب فوائد استكشاف الفضاء للجميع في كل مكان.
تقدر المؤلفة المساهمات المقدمة من إيان فريمان وماركوس ولتران ومارتن ستاسكو (جميعهم من مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي UNOOSA) في إعداد هذه الورقة.