(١) أصحاب المعلقات
اختلف الرواة في عدد المعلقات وأصحابها، فأبو زيد القرشي صاحب جمهرة أشعار العرب يجعلهم ثمانية كما رأيت … وهم امرؤ القيس، وزهير والنابغة، والأعشى، ولبيد، وعمرو بن كلثوم، وطرفة، وعنترة، ولكن الزوزني جعل المعلقات سبعًا، ليس بين أصحابها النابغة ولا الأعشى، وأضاف الحارث بن حلزة، وأضاف أبو زكريا التبريزي فوق ذلك قصيدة عبيد بن الأبرص، فصارت المعلقات وملحقاتها عشرًا … هذه أسماء أصحابها:
امرؤ القيس – النابغة – زهير – طرفة بن العبد – لبيد – عنترة – عمرو بن كلثوم – الحارث بن حلزة – الأعشى – عبيد بن الأبرص.
(١-١) هل عُلقت المعلقات بالكعبة؟
اختلف أصحاب الأخبار في شأن هذه المعلقات في الجاهلية، فقال بعضهم: إن العرب بلغ من تعظيمهم إياها أن علقوها بأستار الكعبة. وأنكر بعضهم ذلك وأكبروه، وأقدم المنكرين أبو جعفر النحاس النحوي المتقدم ذكره، فقد قال في شرحه المعلقات بالنسخة الخطية الموجودة منه في مكتبة برلين ما نصه: «واختلفوا في جمع هذه القصائد السبع، وقيل: إن العرب كان أكثرهم يجتمع بعكاظ ويتناشدون الأشعار … فإذا استحسن الملك قصيدة قال: علقوها وأثبتوها في خزائني. فأما قول من قال إنها علقت في الكعبة فلا يعرفه أحد من الرواة، وأصلح ما قيل في هذا «إن حمادًا الراوية لما رأى زهد الناس في الشعر جمع هذه السبع وحضهم عليها، وقال لهم هذه هي المشهورات … فسميت القصائد المشهورة»، ونقل ذلك ابن الأنباري فقال: «وهو (حماد) الذي جمع السبع الطوال، هكذا ذكره أبو جعفر أحمد بن محمد النحاس، ولم يثبت ما ذكره الناس من أنها كانت معلقة على الكعبة» فهو يستغرب مخالفة النحاس لما ذكره الناس.
وقد وافقهم أكثر العلماء والباحثين في هذا الموضوع، وإنما استأنف إنكار ذلك بعض المستشرقين من الإفرنج ووافقهم بعض كُتَّابنا؛ رغبة في الجديد من كل شيء.
وأي غرابة في تعليقها وتعظيمها بعدما علمنا من تأثير الشعر في نفوس العرب وتعظيمهم لأصحابه؟! أما الحجة التي أراد النحاس أن يضعف بها القول بتعليقها فهي غير وجيهة؛ لأنه قال: «إن حمادًا رأى زهد الناس بالشعر إلخ» والحقيقة أن الناس لم يكونوا راغبين في الشعر مثل رغبتهم في أيامه، ألم يكن الخلفاء يستقدمون حمادًا هذا من العراق إلى الشام ليسألوه عن بيت: مَن قاله، أو فيمَ قيل؟ … وإليك تراجم أصحاب المعلقات ومن يلحق بهم.
(١-٢) امرؤ القيس بن حجر (توفي نحو سنة ٥٤٠م)
هو أشهر شعراء الجاهلية وأشرفهم أصلًا وأرفعهم منزلة، يتصل نسبه بملوك كندة، وهم في قول العرب بطن من كهلان، وكانوا يقيمون في البحرين والمشقر، ثم أجلوا عنهما إلى منازل كندة في حضرموت، وإليها ينسبون، أقاموا هناك دهرًا يتولون بعض مناصب الدولة على عهد التبابعة الحميريين، وقد ضاع أكثر أخبارهم، وأقدم من عرفت أخباره منهم حجر بن عمرو آكل المرار جد جد امرئ القيس الشاعر، ونزح حجر إلى نجد ونزل بطن عاقل في أوائل القرن الخامس للميلاد، وكان اللخميون (المناذرة) قد ملكوا كثيرًا من تلك البلاد ولا سيما بلاد بكر بن وائل، وهم يومئذ بنجد … فنهض البكريون معه لمحاربة اللخميين واستقلوا عن سلطانهم، فاجتمعت كلمتهم على تعظيمه وملكوه عليهم حتى توفي بأواسط القرن الخامس للميلاد فخلفه ابنه عمرو بن حجر، فلما مات خلفه ابنه الحارث بن عمرو، وفي أيامه فتح الأحباش اليمن فضعف شأن دولته، فوجه مطامعه نحو اللخميين في الحيرة، وكان يحسدهم؛ لتقربهم من الأكاسرة … واغتنم تغير كسرى قباذ على المنذر بن ماء السماء بسبب المزدكية وتقرب إليه، فوافقه وولاه الحيرة مكان المنذر، فعظم الحارث في نظر القبائل وجعلوا يتقربون إليه بالطاعة وسألوه أن يولي عليهم من أراد، وكان له أربعة أولاد أقام كلًّا منهم حاكمًا على بعض القبائل، ومنهم حجر بن الحارث والد امرئ القيس تولى على بني أسد وغطفان.
ثم انقلب الأمر على الحارث بعد موت قباذ؛ لأن أنوشروان ابنه وافق المنذر وعزل الحارث ففر، وطمع فيه المنذر فطار حتى قتله، وجعل يفسد بين أولاده بالتحاسد حتى تحاربوا فقتل اثنان منهم وبقي اثنان: هما حجر والد امرئ القيس ومعد يكرب أمير قيس، ورأى بنو أسد تضعضع دولة كندة، فاجتمعوا على خلاف ملكهم حجر وأمسكوا عن أداء الإتاوة فحاربهم فقتلوه.
وكان امرؤ القيس عند مقتل أبيه غائبًا فلما علم بقتله رجع وهو يعتقد عجزه عن الأخذ بثأره؛ لأن عدوه قوي، وعلم أيضًا أن ذلك العدو إذا عرف مقره قبض عليه، فقضى برهة من الدهر وهو يتجول متنكرًا في اليمن ونجد والحجاز يستجير القبائل، فلم يجره أحد حتى أتى السموءل صاحب حصن الأبلق فاستجاره فأجاره، فاستودعه أدرعه، وأمتعته وهو لا يرى من يستنصره على أعدائه إلا قيصر الروم …؛ لأن ملوك الحيرة عمال الفرس نصروا أعداءه على جاري عادة العرب في ذلك العهد، إذا تظلموا من إحدى هاتين الدولتين استنصروا الأخرى، ولم يكن لامرئ القيس سبيل إلى القيصر فوسط الحارث بن أبي شمر الغساني صاحب النفوذ عند قيصر الروم يومئذ وطلب منه أن يوصله إليه ففعل، فسار امرؤ القيس إلى القيصر، ويقول العرب: إن القيصر بعد أن أجاب دعوته وسمع مدائحه وشى به أحد بني أسد أعدائه، وقال للقيصر: «إن امرأ القيس شتمك» فصدق الوشاية، وألبس الشاعر حلة مسمومة قتلته، ولا نعرف سمًّا يفعل هذا الفعل، وعلى كل حال إن امرأ القيس قتل ولم ينل إربًا.
وجاء في شعراء النصرانية بعد ذكر موت امرئ القيس بالجدري ما نصه: «وذكر في كتاب قديم مخطوط أن ملك قسطنطينية لما بلغه وفاة امرئ القيس أمر بأن ينحت له تمثال وينصب على ضريحه … ففعلوا، وكان تمثال امرئ القيس هناك إلى أيام المأمون، وقد شاهده هذا الخليفة عند مروره هناك لما دخل بلاد الروم؛ ليغزو الصائفة».
شعر امرئ القيس
وكان امرؤ القيس قوي الشاعرية ولولا ذلك لم يقل الشعر؛ لأن الملوك كانوا قبله يأنفون من قوله، ولكنه كان مطبوعًا عليه يقوله وأبوه حي، وكثيرًا ما زجره وهو يعصاه حتى اضطر أبوه أن يبعده عنه … فلم يبالِ بل جعل يجول في الأحياء مع بعض الأخلاط من شذاذ العرب من طيء وكلب وبكر بن وائل، فإذا صادف غديرًا أو روضة أو موضع صيد أقام فذبح لمن معه في كل يوم، وخرج إلى الصيد فتصيد ثم عاد فأكل وأكلوا معه وشرب الخمر وسقاهم وغنته قيانه، ولا يزال كذلك حتى ينفد ماء ذلك الغدير ثم ينتقل عنه إلى غيره.
فلما أتاه نعي أبيه كان بدمون من أرض اليمن، فغضب غضبًا شديدًا، وغضبه أهاج شاعريته، وأسفاره في البلاد زادت اختباره، ولعله جاء بلاد الروم قبل سفرته الأخيرة، والأسفار توسع الخيال الشعري، وإذا عاشر الناس وخالطهم اطلع على آدابهم واستفاد معاني جديدة أو تتفتق فريحته فتستنبط صورًا جديدة، وذلك من الأسباب التي جعلت امرأ القيس يسبق إلى أشياء في الشعر لم تكن معروفة قبله وتبعه الشعراء فيها.
وإذا أمعنت النظر فيما استنبطه من المعاني والأساليب، رأيتها من ثمار الأسفار وسعة الاطلاع … فمنها استيقاف الصحب في الديار كقوله: «قفا نبك إلخ» فإنه طبيعي فيمن قضى معظم حياته في توديع ديار واستقبال ديار، وقد كان الوفا، إذا أقام في المكان ألفه وإذا عاشر الرجل كلف به.
ومنها دقة وصفه وإجادته على الخصوص في وصف الفرس والناقة، وهذا طبعًا من ثمار الأسفار لأنه كان يقضي الساعات والأيام على فرسه لا شيء يشغله عنه مع تعلقه به لأنه أكبر مساعد له على النجاة في فراره من أعدائه، ولذلك لا تكاد تقرأ له قصيدة إلا وجدت فيها أبياتًا يصف بها فرسه أو ناقته. وقد فتقت الأسفار والمعاشرة قريحته لاستنباط المعاني أو اقتباسها، فمن ذلك قوله في قصيدته البائية التي يصف بها الفراق وناقته وفرسه مطلعها:
ولكن القارئ لا يستأنس بالمعنى إلا بعد أن يتعرف الألفاظ الغريبة، وعند ذلك يرى وصفًا بديعًا لم يأتِ الشعراء بأحسن منه كقوله في وصف الفرس:
ووصف الفرس كثير في شعره، فليراجع في ديوانه، وقد أجاد في سائر ضروب الوصف، وله قصيدة في وصف المطر وأخرى في الوصف على الإجمال مطلعها:
ومع ما في شعره وسائر أشعار الجاهلية من اللفظ الغريب؛ فقد امتاز امرؤ القيس برقة الألفاظ ولطف التشبيه كقوله:
وقوله:
وقوله:
وقد أجاد في وصفه الفرس بقوله:
وله أبيات كثيرة جرَت مجرى الأمثال على ألسنة الناس، واتخذ الشعراء بعضها قواعد لنظمهم، وهو أول من رقق المعاني، ومما بلغ حد النهاية في الرقة واللطف قوله:
ويقال: إن امرأ القيس أول ما شبب بالنساء، شبب بأبيات مطلعها:
وله محاورة شعرية في أوابد العرب مع عبيد بن الأبرص، أولها قول عبيد:
فأجابه امرؤ القيس:
وهي طويلة.
معلقته وسبب نظمها
أما معلقته فقد نظمها في وصف واقعة جرت له مع حبيبته وابنة عمه عنيزة بنت شرحبيل إذ حظر عليه لقاؤها، ولعلهم منعوه منها لما كان من رغبته في الشعر، أما هو فكان ينتهز الفرص لملاقاتها … فاغتنم فرصة ظعن الحي، وكانوا إذا ظعنوا مشى الرجال أولًا ثم النساء، فتخلف امرؤ القيس عن الرجال وتربص حتى ظعنت النساء، وكان في طريق الظاعنين غدير يسمى دارة جلجل في منازل كندة بنجد، فسبقهن امرؤ القيس إلى الغدير وفيهن عنيزة، فنزعن ثيابهن ونزلن في الماء فبرز هو من مخبئه وجمع الثياب وجلس عليها وحلف: لا يعطي الواحدة منهن ثيابها إلا إذا خرجت إليه عارية، فخرجن وبقيت عنيزة وأقسمت عليه أن يعدل عن شرطه، فأبى وألح عليها أن تخرج فخرجت، ثم دفع إليها ثيابها فلبستها واجتمع النسوة عليه، وأخذن يعنفنه وقلن له: «إنك أخرتنا عن الحي وجوعتنا»، فقال: «سأعقر لَكُنَّ راحلتي تأكلن منها» فعقرها وأتين بالحطب، وجعلن يشوين اللحم حتى شبعن، وكان معه ركوة فيها خمر فسقاهن منها … فلما ارتحلن حملن أمتعته على رواحلهن وبقي هو لا مركب له، فقال لعنيزة: «لا بد لك من أن تحمليني» وساعده صواحبها على طلبه فحملته على مقدم هودجها، فجعل يدخل رأسه في الهودج يقبلها ويحادثها ثم نظم معلقته ومطلعها:
وصف بها ما تقدم أحسن وصف، وهي مدرجة مع سائر المعلقات في كتاب، شرح عدة شروح.
أما سائر أشعاره فإنها جُمعت في ديوان منه نسخة خطية في دار الكتب المصرية، وقد طُبع في باريس سنة ١٨٣٧ وفي غيرها وقد شرحه البطليوسي النحوي المتوفى سنة ٤٩٤ﻫ وطُبع الشرح بمصر سنة ١٢٨٢ﻫ وللنحاس شرح للمعلقة طبع في هال سنة ١٨٧٦.
وقد تُرجمت معلقته إلى اللغة الروسية وطُبعت مع الأصل العربي في بطرسبورج سنة ١٨٨٥ بعناية موركوس.
وتجد كثيرًا من أشعار امرئ القيس وأخباره في كتاب الأغاني ٦٢ ج٨ و١٩ ج٢، والشعر والشعراء لابن قتيبة ص٣٧، وفي شرح المعلقات، وفي كتاب الشعراء الستة الجاهليين طبع لندن سنة ١٨٧٠، وخزانة الأدب ٥٣٢ ج٣، وفي شعراء النصرانية صفحة ٦ وفي جمهرة أشعار العرب ٣٩ وفي أكثر كتب الأدب والتاريخ.
(١-٣) زهير بن أبي سلمى (توفي نحو سنة ٦١٥م)
هو أحد الثلاثة المقدمين على سائر الشعراء، وهم: امرؤ القيس وزهير والنابغة، وإنما اختلفوا في تقديم أحد الثلاثة على صاحبيه، وكما امتاز امرؤ القيس باستنباط الأفكار والأساليب وتلطيف المعاني؛ فقد امتاز زهير بما في نظمه من الحكمة البالغة وكثرة الأمثال مع القدرة على المدح، وهو لا يعاظل في الكلام ويتجنب وحشيه ولا يمدح أحدًا إلا بما فيه، وكثيرون يفضلونه على صاحبيه، ويقولون: إنه أحسنهم شعرًا وأبعدهم عن سخف، وأجمعهم لكثير من المعاني في قليل من الألفاظ.
وهو من مزينة إحدى قبائل مضر، وكان يقيم هو وأبوه وولده في منازل بني عبد الله بن غطفان بالحاجز من نجد، وأول من نزل هناك منهم أبوه أبو سلمى لأنه تزوج امرأة من بني قهر بن مرة من ذبيان بن غطفان فولدت له زهيرًا، وتزوج زهير امرأة من سحيم بن مرة، ولذلك كان زهير يذكر في شعره بني مرة وغطفان ويمدحهما، وكان لزهير أخلاق عالية ونفس كبيرة مع سعة صدر وحلم … فرفع القوم منزلته وجعلوه سيدًا، وكثر ماله واتسعت ثروته، وكان مع ذلك عريقًا في الشاعرية فكان أبوه شاعرًا وكذلك خاله وأختاه وابناه، وكان لشعره تأثير كبير في نفوس العرب وكان مقربًا من أمراء ذبيان وخصوصًا هرم بن سنان والحارث بن عوف، وأول قصيدة نظمها في مدحهما معلقته المشهورة التي مطلعها:
ثم مدح هرمًا بقصائد كثيرة حتى حلف هرم ألا يمدحه زهير إلا أعطاه، ولا يسأله إلا أعطاه، ولا سلم عليه إلا أعطاه عبدًا أو وليدة أو فرسًا، فاستحيا زهير من كثرة ما كان يقبل منه فأصبح إذا رآه في ملأ من الناس قال: «عموا صباحًا غير هرم … وخيركم استثنيت» وقال عمر بن الخطاب لبعض ولد هرم: «أنشدني بعض مدح زهير أباك» فأنشده، فقال عمر: «إنه كان ليحسن فيكم القول» فقال: «ونحن والله كنا نحسن له العطاء»، فقال عمر: «قد ذهب ما أعطيتموه وبقي ما أعطاكم» ومدح زهير أيضًا سنان بن أبي حارثة المري وحصن بن حذيفة بن بدر وغيرهما.
ومما قاله في مدح هرم، ولم يسبقه إليه أحد قوله:
ومن بليغ مدحه قوله في مدح حصن بن حذيفة بعد أن استهل بوصف الصيد ثم تخلص إلى المدح في قصيدة طويلة جئنا بمثال منها في فصل سابق من هذا الكتاب، وتجد أمثلة من نظمه في أماكنَ أخرى منه.
ويؤخذ من بعض أقواله أنه كان مؤمنًا بالبعث، كقوله:
ومما يدل على تعقله وحنكته وسعة صدره حِكَمه في معلقته التي نقلنا بعضها في الصفحات الأولى من هذا الكتاب، وقد جمع خلاصة التقاضي في بيت واحد هو:
وقد جُمعت أخباره وأقواله في كتاب الأغاني ٤٨ و١٤٦ ج٩ وفي ديوان الشعراء الستة الجاهليين، وخزانة الأدب ٣٧٥ ج١ والشعر والشعراء ٥٧ وجُمعت معلقته مع سائر المعلقات وفي الجمهرة ص٤٧، وقد شرحها كثيرون منهم النحاس المتقدم ذكره وهو أهم شروحها، وقد نشره الدكتور هوسهير الألماني سنة ١٩٠٥ في برلين مع مقدمة ألمانية مفيدة.
(١-٤) النابغة الذبياني (توفي سنة ٦٠٤م)
هو أحد الثلاثة المقدمين على سائر الشعراء واسمه زياد بن معاوية من ذبيان من قيس، وهو من الأشراف الذين غض الشعر منهم كما غض من امرئ القيس، وكان يفد على النعمان صاحب الحيرة فيمدحه، فوقعت العداوة بينه وبين المنخل الشاعر، فوشى به إلى النعمان … فهرب النابغة إلى بني غسان ونزل بعمرو بن الحارث الأصغر ملك الغساسنة فمدحه، وما زال مقيمًا عنده حتى مات عمرو وخلفه النعمان أخوه، فمكث معه حتى اصطلح مع النعمان صاحب الحيرة فعاد إليه.
وكان يفد على صاحب الحيرة أيضًا حسان بن ثابت الأنصاري، ولكن النابغة كان مقدمًا على الجميع، فجمع من عطايا النعمان صاحب الحيرة ثروة طائلة وصار يأكل ويشرب في آنية الفضة والذهب، وله منزلة كبرى عند شعراء عصره، فإذا جاء سوق عكاظ ضربوا له قبة من جلد وجاء الشعراء ينشدون أشعارهم، وأول من أنشده ذات مرة الأعشى ثم حسان ثم الخنساء، وهذا شرف لم ينله أحد من الشعراء سواه.
ويمتاز النابغة عن صاحبيه بأنه أحسنهم ديباجة شعر وأكثرهم رونق كلام وأجزلهم بيتًا، فكان شعره كلام ليس فيه تكلف، وذلك ظاهر في كل أقواله حتى جرى كثير منها مجرى الأمثال، واقتبس الشعراء كثيرًا من أقواله؛ منها:
تمثل به الحجاج بن يوسف حين سخط عليه عبد الملك بن مروان، وقوله:
أخذه المثقب العبدي فقال:
وقوله:
أخذه الكميت فقال:
وقوله:
أخذه ابن ميادة فقال:
ومما يتمثل به من شعره قوله:
أخذه ربيعة بن مقروم الضبي فقال:
ومما يتمثل به أيضًا من شعره:
وقال في العفة وهو أحسن ما قيل فيها:
أخذه عدي بن زيد فقال:
فالصلب: الحسب، والإزار: العفاف، وفي أمثالهم: أصدق من قطاة — قال النابغة:
وذلك لأنها تلفظ باسمها، أخذه أبو نواس فقال: «أصدق من قول قطاة قطا».
وقد مدح النابغة النعمان وعمرو بن هند من أصحاب الحيرة، وعمرو بن الحارث الغساني وأخاه النعمان ووائل بن الحلاج الكلبي وهجا ابن زرعة ورثى واعتذر وفاخر، ولكن الشعر الوصفي قليل في منظومه إلا القصيدة التي نظمها في وصف المتجردة زوجة النعمان صاحب الحيرة وقد تقدم مطلعها، ومن قوله في وصفها:
وهي طويلة وفيها أبيات لا يليق نشرها، ولكنه وصف فيها الطبيعة كما هي عادة الجاهليين في تمثيل الواقع، وكما فعل سليمان الحكيم في نشيد الإنشاد، ومن أحسن شعره معلقته التي مطلعها:
وهي ستون بيتًا ذكرها صاحب جمهرة أشعار العرب.
وللنابغة ديوان مطبوع غير مرة، وشُرح منه نسخة خطية في دار الكتب المصرية، وقد ترجمه إلى الفرنسية وطبعه مع الأصل العربي المسيو ديرنبرج في المجلة الأسيوية الفرنسية سنة ١٨٦٨، وصدر كتاب اسمه التوضيح والبيان لأشعار نابغة ذبيان طُبع بمصر.
وأخباره متفرقة في الأغاني ١٦٢ ج٩ والشعر والشعراء ٧٠ و١٢٦ والجمهرة ٥٢ وفي دواوين الشعراء الستة الجاهليين وفي شرح المعلقات وسائر كتب الأدب.
(١-٥) أعشى قيس (توفي سنة ٦٢٩م)
وقوله:
وقد أدرك الرسول ووفد عليه فمدحه بقصيدة مطلعها:
وفيها يقول لناقته:
فلما علم أبو سفيان بذلك حرض قومه على إرضائه بالرجوع خوفًا من أن يسلم فينصر الرسول بشعره على قريش، فجعلوا له مائة من الإبل فأخذها ورجع، وله معلقة مطلعها:
وتجد أخبار الأعشى وأشعاره في الأغاني ٥٢ ج١٥ و١٦٠ ج١٦ و٧٧ ج٨ و١٤٣ ج١٠ والشعر والشعراء ١٣٥ والجمهرة ٥٦ وغيرها وفي سيرة الرسول ومعجم البلدان وفي سائر كتب الأدب.
(١-٦) لبيد بن ربيعة (توفي سنة ٦٦٢م)
هو لبيد بن ربيعة العامري (من قيس) وكان من أشراف الشعراء المجيدين والفرسان المعمرين، يقال: إنه عَمَّرَ ١٤٥ سنة عاش معظمها في الجاهلية، وقد أدرك الإسلام وأسلم وهاجر وحسن إسلامه ونزل الكوفة أيام عمر بن الخطاب، فأقام بها حتى مات في أوائل خلافة معاوية، فكان عمره ١٤٥ سنة منها ٩٠ في الجاهلية، وكانت الشاعرية ظاهرة في عينيه منذ صباه … ذكروا أن النابغة رآه وهو غلام جاء مع أعمامه إلى النعمان بن المنذر فتوسم فيه الشاعرية، فسأل عنه فنسبوه، فقال له: «يا غلام إن عينيك لعينا شاعر، أفتقرض من الشعر شيئًا؟» قال: «نعم يا عم» قال: «فأنشدني» فأنشده قوله: «ألم ترجع على الدمن الخوالي إلخ» فقال له: «يا غلام أنت أشعر بني عامر زدني» فأنشده قوله: «طلل لخولة في الرسيس قديم»، فضرب بيده على جبينه، وقال: «اذهب فأنت أشعر قيس كلها».
وأكثر شعره في الجاهلية؛ لأن الخلفاء الراشدين شغلوا الناس عن الشعر بالقرآن، ذكروا أن عمر بن الخطاب بعث إلى المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة يقول له: «استنشد من قبلك من شعراء مصرك ما قالوا في الإسلام»، فأرسل إلى الأغلب الراجز العجلي، فقال له أنشدني، فقال:
فمعظم ما يروونه من شعره قيل في الجاهلية، وكان من أجود العرب، ويقال: إنه آلى على نفسه في الجاهلية أن لا تهب صبًا إلا أطعم، وكان له جفنتان يغدو بهما ويروح في كل يوم على مسجد قومه فيطعمهم، فهبت الصبا يومًا والوليد بن عقبة في الكوفة، فصعد الوليد المنبر فخطب الناس، ثم قال: «إن أخاكم لبيد بن ربيعة قد نذر في الجاهلية أن لا تهب صبًا إلا أطعم، وهذا يوم من أيامه قد هبت صبًا فأعينوه، وأنا أول من فعل»، ثم نزل عن المنبر فأرسل إليه بمائة بكرة، وكتب إليه بأبيات قالها:
فلما بلغت أبياته لبيدًا قال لابنته: «أجيبيه فلعمري لقد عشت برهة وما أعيا بجواب شاعر» فقالت ابنته:
فقال لها لبيد: «قد أحسنت لولا أنك استطعمتِه»، فقالت: «إن الملوك لا يستحي من مسألتهم»، فقال: «وأنت يا بنية في هذه أشعر».
ومما يستجاد من قوله قصيدة مطلعها:
ويقال: إنه لم يقل في الإسلام إلا بيتا واحدًا، وهو:
أما معلقته فمطلعها:
(١-٧) عمرو بن كلثوم (توفي سنة ٦٠٠م)
هو من قبيلة تغلب، وأمه ليلى بنت المهلهل أخي كليب المشهور، فهو حفيد المهلهل، واشتهرت أمه ليلى بالأنفة وعظم النفس تفاخرًا بأبيها، وساد عمرو بن كلثوم قومه تغلب وهو في الخامسة عشرة، وقد عمِّر طويلًا وكان أعز الناس نفسًا وأكثرهم امتناعًا وأنفة، وكان شاعرًا مطبوعًا اشتهر بمعلقته التي مطلعها:
وهي حماسية فخرية يقال: إنها كانت تزيد على ألف بيت وإنما وصل إلينا بعضها، وقد نظمها غضبًا لأمه وقبيلته من عمرو بن هند صاحب الحيرة، وكان عمرو هذا معجبًا بنفسه، فقال يومًا للندماء: «هل تعلمون أحدًا من العرب تأنف أمه من خدمة أمي؟» فقالوا: «نعم … أم عمرو بن كلثوم» قال: «ولِمَ؟» قالوا: «لأن أباها المهلهل بن ربيعة، وعمها كليب بن وائل أعز العرب، وبعلها كلثوم بن مالك أفرس العرب، وابنها عمرو وهو سيد قومه».
فأرسل عمرو بن هند صاحب الحيرة إلى عمرو بن كلثوم يستزيره، ويسأله أن يزير أمَّه أمَّه، فأقبل ابن كلثوم من الجزيرة إلى الحيرة في جماعة من بني تغلب، وأقبلت ليلى بنت مهلهل في ظعن من بني تغلب، وأمر عمرو بن هند برواقه، فضربه فيما بين الحيرة والفرات، وأرسل إلى وجوه أهل مملكته فحضروا في وجوه بني تغلب، فدخل عمرو بن كلثوم على عمرو بن هند في رواقه، ودخلت ليلى وهند في قبة من جانب الرواق، وقد كان عمرو بن هند أمر أمه أن تنحي الخدم إذا دعا بالطرف وتستخدم ليلى، فدعا عمرو بمائدة، ثم دعا بالطرف، فقالت هند: «ناوليني يا ليلى ذلك الطبق» فقالت ليلى: «لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها» فأعادت عليها وألحت، فصاحت ليلى: «وا ذلاه يا لتغلب» فسمعها عمرو بن كلثوم، فثار الدم في وجهه، ونظر إليه عمرو بن هند فعرف الشر في عينيه، فوثب عمرو بن كلثوم إلى سيف لعمرو بن هند معلق بالرواق ليس هناك سيف غيره، فضرب به رأس عمرو بن هند ونادى في بني تغلب فانتهبوا ما في الرواق وساقوا نجائبه وساروا نحو الجزيرة.
فجاشت نفس ابن كلثوم وحمى غضبه وأخذته الأنفة والنخوة، فنظم معلقته أو لعله نظم بعضها في ذلك الحين، ثم أتمها في حادثة أخرى جرت له مع عمرو بن هند المذكور على أثر خلاف جرى بين قومه التغلبيين وإخوانهم البكريين وتقاضوا إلى عمرو هذا، وكان قد أصلح بينهما بعد حرب البسوس وشرط عليهما شروطًا إذا اختصما، فلما جاءوه للمقاضاة كان ابن كلثوم سيد تغلب والنعمان بن هرم سيد بكر، وجرى بين الأميرين جدال بين يدي صاحب الحيرة، وكان هذا يؤثر تغلبًا على بكر فطرد ابن هرم، فنهض ابن كلثوم وأنشد معلقته، وكان حاضرًا هناك الحارث بن حلزة من بكر وائل فأنشد معلقته كما سيجيء، فالغالب أن ابن كلثوم نظم معلقته على مرتين في حادثة أمه وهذه الحادثة، ولذلك رأيت فيها إشارة إلى كليهما وقد وقف عمرو بن كلثوم بهذه في سوق عكاظ فأنشدها في موسم مكة، وكان بنو تغلب يعظمونها ويرويها صغارهم وكبارهم؛ لما حوته من الفخر والحماسة مع جزالتها وسهولة حفظها؛ فقد استهلها بذكر الخمر ووصف شاربها وتأثيرها، وهذا قيل في شعر الجاهلية كما تقدم، ثم وصف ليلى نحو وصفِ النابغةِ المتجردةَ، ثم خاطب عمرو بن هند وافتخر بنفسه وأهله، وأشار إلى ما أراده ابن هند من احتقار والدته، وذكر واقعة لهم في ذي أراط فازوا بها وأبدعوا، ثم تخلص إلى الفخر في أبيات هذا بعضها:
وليس لعمرو بن كلثوم ديوان معروف، ولكن أشعاره متفرقة في الأغاني ١٨١ ج٩ وفي الشعر والشعراء ١١٧ والجمهرة ٧٤ وشعراء النصرانية ١٩٧ وشرح القصائد العشر ١٠٨ وفي معجم البلدان وديوان الحماسة وغيرها.
(١-٨) الحارث بن حلزة اليشكري (توفي سنة ٥٨٠م)
هو من بكر وائل، وقد اشتهر بين أهل العراق، وكان به وضح أي بَرَص، وهو قليل النظم وإنما اشتهر بمعلقته وهي قصيدة واحدة كما اشتهر بمثلها عمرو بن كلثوم وطرفة بن العبد الآتي ذكره، وقد تقدم أن الحارث كان في وفد البكريين الذين أتوا عمرو بن هند وخطيبهم النعمان بن هرم، فلما غضب ابن هند عليه وأوشك أن يقضي لبني تغلب، قال الحارث بن حلزة لقومه: «إني قد قلت خطبة فمن قام بها ظفر بحجته وفلج على خصمه … فرواها أناسًا منهم، فلما قاموا بين يدي الملك لم يرضه إنشادهم»، فقال: «إني لا أرى أحدًا يقوم بها مقامي لكني أكره أن أكلم الملك من وراء سبعة ستور، وينضح أثري بالماء إذا انصرفت عنه»، وكانوا يفعلون ذلك بمن فيه بَرَص، وقيل: بل كان ابن هند يفعل ذلك؛ لعظم سلطانه ولا ينظر إلى أحد به سوء، ثم خاف ابن حلزة على قومه وقال: «أنا محتمل ذلك وأقرب من الملك» فقيل لعمرو بن هند: «إن به وضحًا» فأمر أن تمد بينه وبين الحارث سبعة ستور، فجعلت، فلما نظر عمرو بن كلثوم قال للملك: «أهذا يناطقني وهو لا يطيق صدر راحلته» فأجابه الملك حتى أفحمه، وأنشد الحارث قصيدته التي مطلعها:
وكانت هند أم عمرو صاحب الحيرة تسمع، فقالت: «تالله ما رأيت كاليوم قط رجلًا يقول مثل هذا القول يكلم من وراء سبعة ستور» فقال الملك: «ارفعوا سترًا وأدنوا الحارث» حتى إذا أزيلت الستور السبعة أقعده الملك قريبًا منه وبالغ في إكرامه، وضُرب بالحارث المثل بالفخر، فقيل: «أفخر من الحارث بن حلزة» وخصوصًا؛ لأنهم يزعمون أنه قالها ارتجالًا، وذلك بعيد؛ لأنه ذكر فيها عدة من أيام العرب عير ببعضها بني تغلب تصريحًا وعرَّض ببعضها بعمرو بن هند، فهي من قبيل الملاحم في وصف الوقائع.
وللحارث غير معلقته أبيات قليلة منشورة مع أخباره في الأغاني ١٧٧ ج٩ وشرح القصائد العشر ١٢٥ والشعر والشعراء ٩٦ وشعراء النصرانية ٤١٦ وفي سائر كتب الأدب.
(١-٩) طرفة بن العبد (توفي سنة ٥٠٠م)
هو أبو عمرو طرفة بن العبد من بكر وائل من ربيعة ابن أخت جرير بن عبد المسيح المعروف بالمتلمس، وقد نبغ في الشعر منذ حداثته حتى صار يعد من الطبقة الأولى وتوفي صغير السن، ومع كونه من المقلين فإن أشعاره كانت معول أصحاب اللغة في الاستشهاد، وكان في صباه عاكفًا على الملاهي يعاقر الخمر وينفق ماله عليها، ولكن مكانه في قومه جعله جريئًا على الهجاء، ومات أبوه وهو صغير فأبى أعمامه أن يقسموا ماله وظلموه حقًّا لأمه وردة، فنظم في هجائهم قصيدة أبدع فيها مطلعها:
واشتهر في الأكثر بمعلقته … ويقال في سبب نظمها: إن أخاه معبدًا كانت له إبل ضلت فذهب أخوه طرفة إلى ابن عمه مالك ليعينه في طلبها فلامه وانتهره، وقال: «فرطت فيها ثم أقبلت تتعب في طلبها» فهاجت قريحة طرفة، فقال معلقته التي مطلعها:
وفيها يشبه حدوج حبيبته بالسفن السابحة في الماء، ثم يصف ناقته وصفًا جميلًا يوهمك لأول وهلة أنه يصف حبيبته، ولكنك لا تلبث أن ترى وصفه الدقيق لكل عضو من أعضائها حتى ذيلها، ثم ينتقل إلى الحكم والموعظة ثم العتاب يعاتب ابن عمه على تعنيفه، ويأسف لأنه لا يقدر أن يرد تعنيفه لمقامه عنده.
ولطرفة حديث مع عمرو بن هند صاحب الحيرة والمتلمس الشاعر كان سببًا في قتله، وذلك أن طرفة كان في صباه معجبًا بنفسه يتخلج في مشيته، فمشى تلك المشية مرة بين يدي عمرو بن هند فنظر إليه نظرة كادت تبتلعه من مجلسه، وكان المتلمس حاضرًا، فلما قاما قال له المتلمس: «يا طرفة إني أخاف عليك من نظرته إليك» فقال طرفة: «كلا» ثم إنه كتب لهما كتابين إلى المكعبر، وكان عامله على البحرين وعمان، فخرجا من عنده وسارا حتى إذا هبطا بأرض قريبة من الحيرة رأيا فيها شيخًا دار بينهما وبينه كلام نبه المتلمس إلى ما قد يكون في الكتاب الذي يحمله من الأذى، ولم يكن يعرف القراءة فإذا هو بغلام من أهل الحيرة يسقي غنمًا له من نهر الحيرة، فقال له المتلمس: «يا غلام أتقرأ؟» قال: «نعم» قال: «اقرأ هذه» فإذا فيها: «باسمك اللهم من عمرو بن هند إلى المكعبر إذا أتاك كتابي هذا من المتلمس فاقطع يديه ورجليه وادفنه حيًّا» فألقى المتلمس الصحيفة في النهر، وقال: «يا طرفة معك والله مثلها» فقال: «كلا ما كان ليكتب لي مثل ذلك» ثم أتى طرفة إلى المكعبر، فقطع يديه ورجليه ودفنه حيًّا، فضرب المثل بصحيفة المتلمس لمن يسعى في حتفه بنفسه.
(١-١٠) عنترة بن شداد العبسي (توفي سنة ٦١٥م)
هو عنترة بن شداد من قبيلة عبس من قيس، وهو من الشعراء الفرسان الشجعان، وعَشَقَ فهاجت شاعريته واتسع خياله، وأخباره مدونة في قصته المشهورة، لكن أكثرها موضوع من قبيل القصص الروائية، أما عنترة فلا شك في وجوده، وله حروب وأشعار، والصحيح من خبره أن أمه زبيبة كانت حبشية فلما أنجبت ابنها وظهرت مواهبه اعترف به أبوه وألحقه بنسبه على اصطلاحهم في ذلك العصر.
وهو أحد أغربة العرب، ممن أمهاتهم إماء وهم ثلاثة: عنترة وخفاف بن عمير والسليك بن السلكة، وشهد عنترة حرب داحس والغبراء وهو شاب ووقعت ملاحاة بينه وبين بني عبس في إبل أخذها من حليف لهم اقتتلوا عليها، وحدثت حروب بين جديلة وثعل، وكان عنترة مع جديلة فنصرهم فانتصروا فشكته ثعل إلى غطفان، ووقائعه كثيرة يشتبه فيها الصحيح بالموضوع وهم في اختلاف في سببه قتله، وأحب عبلة بنت عمه وهو يذكرها في أكثر أشعاره.
ولعنترة أشعار كثيرة تدخل في ديوان كبير، والرواة مختلفون فيما هو له وما هو موضوع، ومما هو ثابت له المعلقة التي مطلعها:
ويقال في سبب نظمها إنه جلس يومًا في مجلس بعدما كان قد أبلى واعترف به أبوه وأعتقه، فسبه رجل من بني عبس ذكر سواده وأمه وإخوته، فسبه عنترة وفخر عليه، وقال فيما قال له: «إني لأحضر البأس وأوفى المغنم وأعف عند المسألة وأجود بما ملكت يدي وأفصل الخطة الصماء» قال له الرجل: «أنا أشعر منك» قال: «ستعلم ذلك» فقال عنترة يذكر قتل معاوية بن نزال وهي أول كلمة قالها.
فبدأ بذكر الديار ديار عبلة وخاطبها يشكو البُعد والغرام، ثم استأنف الفخر والحماسة، وأكثر الرواة ينكرون أن يكون مطلع المعلقة له ومنهم الأصمعي وابن الأعرابي، وكلهم يقولون: إن أول المعلقة الحقيقي:
ومن غرر القصائد المنسوبة إليه قصيدة يذكر فيها واقعة يوم الفروق مطلعها:
وصف فيها الواقعة وافتخر … وله قصيدة فخمة يتوعد بها النعمان ويفتخر بقومه كلها حكم وحماسة مطلعها:
وفي هذا البيت من الحكمة البالغة ما ليس بعده غاية. ومن أقواله قصيدة يهدد بها عمارة والربيع ابني زياد العبسي معرضًا بذكر قومهما، مطلعها:
وغير هذه شيء كثير يراجع في ديوانه وفيه معانٍ لم يسبق إليها، منها قوله:
وقوله:
ومن ذلك قوله:
يقول: النصف من نسبي شريف في خير عبس، وأحمي النصف الآخر وهو نسبه في السودان بالسيف فأشرفه أيضًا، ومن أحسن شعره قوله:
ومن إفراطه قوله:
وفي هذه يفخر بأخواله من السودان؛ إذ يقول:
قصة عنترة
أما قصته فقد اختلفوا في وضعها، ويظهر أنها وُضعت بالتدريج ومعنى ذلك أنهم توسعوا فيها وأضافوا إليها زيادات على مر التاريخ حتى بلغت ما هي عليه الآن، وكان من عادة المسلمين في صدر الإسلام أن يستنهضوا همم الجند للحرب بتلاوة أخبار الشجعان وفرسانهم الجاهليين، وقد رأيناهم يفعلون ذلك في القرن الأول للهجرة في زمن الحجاج بن يوسف سنة ٧٧ في الواقعة التي قُتل فيها شبيب عتاب بن ورقاء. ذكر ابن الأثير أن عتابًا سار في أصحابه قبل المعركة يحرضهم على القتال ويقص عليهم، ثم قال: «أين القصاص؟» فلم يجبه أحد، فقال: «أين من يروي شعر عنترة؟» فلم يجبه أحد إلخ.
فكانوا أولًا يروون أشعار عنترة للحماسة، ثم صاروا يجمعون أخباره وأحاديثه ويتناقلونها رواية عن الأصمعي وهي تتسع حتى جُمعت بمصر في أواخر القرن الرابع للهجرة في زمن الخليفة العزيز بالله الفاطمي، وقد جاء في سبب جمعها وتدوينها أن رجلًا اسمه الشيخ يوسف بن إسماعيل كان يتصل بالعزيز بالله … فاتفق أن حدثت ريبة في دار العزيز، لهجت الناس بها في المنازل والأسواق فساء العزيز ذلك، وأشار على الشيخ يوسف المذكور أن يطرف الناس بما عساه أن يشغلهم عن هذا الحديث.
وكان الشيخ يوسف هذا واسع الرواية في أخبار العرب كثير النوادر والأحاديث، وكان قد أخذ روايات شتى عن أبي عبيدة وابن هشام وجهينة الأخبار والأصمعي وغيرهم من الرواة، فأخذ يكتب قصة عنترة ويوزعها في الناس فأعجبوا بها واشتغلوا عن سواها. ومن تلطفه في الحيلة أنه قسمها إلى ٧٢ كتابًا والتزم في آخر كل كتاب أن يقطع الكلام في حادث مهم يشتاق القارئ والسامع إلى الوقوف على تمامه … فلا يفتر عن طلب الكتاب الذي يليه، فإذا وقف عليه انتهى به مثل ما انتهى في الأول وهكذا إلى نهاية القصة، وقد أثبت في هذه الكتب ما ورد من أشعار العرب المذكورين فيها، ولكن تداول النساخين الجهلاء للقصة أفسد روايتها … والقصة مشهورة ومطبوعة مرارًا.
(١-١١) عبيد بن الأبرص الأسدي (توفي سنة ٥٥٥م)
هو من بني أسد من مضر من شعراء الطبقة الأولى قديم الذكر عظيم الشهرة، لكن الباقي من شعره أقل من شهرته، وكان عبيد لا يقول الشعر في صباه. وذكروا في سبب ما بعثه على النظم أنه كان ضيق الرزق قليل المال، فأقبل ذات يوم بغنم له ومعه أخته ماوية ليوردا غنمهما، فمنعه رجل من مالك وجبهه … فانطلق حزينًا مهمومًا ثم ابتهل إلى الله: إن كان فلان ظلمني ورماني بالبهتان فأدلني منه وانصرني عليه، ووضع رأسه فنام، فرأى في المنام أن رجلًا أتاه بكبة من شعر ألقاها في فِيهِ ثم قال: قم، فقام وهو يرتجز، واستمر بعد ذلك ينظم الشعر حتى صار شاعر بني أسد غير مدافع، فنظم قصيدته البائية وهي التي تُعد من المعلقات، مطلعها:
وفي أيامه كان حجر بن الحارث الكندي والد امرئ القيس ملكًا على بني أسد كما تقدم، وكان عبيد ينادمه فنظم فيه قصائد من جملتها قصيدة يغني بها، مطلعها:
وأبى بنو أسد مرة أن يدفعوا الإتاوة لحجر وقتلوا رسله، فغضب وحاربهم واستباح أموالهم وأخرجهم إلى تهامة وحبس بعض سادتهم وفيهم عبيد بن الأبرص … فذهب منهم وفد إليه، وجاء عبيد فوقف وأنشد قصيدة جاء فيها:
فأطلق حجر سبيلهم، ثم ثارت أسد ثانية عليه وقتلوه كما ذكرنا في ترجمة امرئ القيس، وغضب امرؤ القيس ولم يقبل منهم دية أبيه وتوعدهم فقال عبيد قصيدة مطلعها:
وعمِّر عبيد طويلًا حتى قتله المنذر بن ماء السماء في حديث، خلاصته أن المنذر قتل نديمين له من بني أسد وهو غضبان، فلما أصبح ندم فبنى على قبريهما ضريحين سماهما الغريين وجعل لنفسه يومين في السنة يجلس فيهما هناك؛ أحدهما يوم نعيم، والآخر يوم بؤس، فأول من يطلع عليه في يوم النعيم يعطيه مائة من الإبل وأول من يطلع عليه في يوم البؤس يقتله ويطلي بدمه الغريين، فاتفق لعبيد أن أتاه في يوم بؤسه فقتله، وهذا الحديث يشبه ما ذكروه عن حنظلة والنعمان، لكن حادثة حنظلة تمثل الوفاء أحسنَ تمثيلٍ؛ إذ يطلق النعمان حنظلة بضمانة على أن يغيب سنة ثم يعود ليقتل، فلما حان الوقت جاء وسأله النعمان عما حمله على المجيء بعد أن نجا بنفسه، فقال: «الوفاء».
فلعل الأصل فيها قصة عبيد فزاد عليها العرب وعد حنظلة ووفاءه؛ ليمثلوا بها الوفاء على نحو ما كما يفعل اليونان في الروايات التمثيلية، وقد أشرنا إلى ذلك قبلًا.
ومن أحاسن شعر عبيد، قصيدته الدالية التي مطلعها:
وتجد أخبار عبيد في الأغاني ٨٤ ج١٩ والشعر والشعراء ١٤٣ وشعراء النصرانية ٥٩٦ والجمهرة ١٠٠ وفي مجمع الأمثال للميداني ومعجم البلدان والعمدة ومعجم البكري وغيرها.
(١-١٢) المعلقات والمستشرقون
(٢) الشعراء الأمراء
الشعراء من الملوك والأمراء بضعة عشر شاعرًا، منهم اثنان من أصحاب المعلقات هما امرؤ القيس وعمرو بن كلثوم وقد ترجمنا لهما، وإليك من بقي:
(٢-١) الأفوه الأودي (توفي سنة ٥٧٠م)
هو صلاءة بن عمرو من أود، وينتهي نسبه إلى مذحج من قبائل اليمن، وكان سيد قومه وقائدهم، وكانوا يصدرون عن رأيه، والعرب تعده من حكمائها، وله قصيدة دالية تدل على حكمة وصدق نظر؛ منها قوله:
ومن حماسياته قوله:
وقد جمعت أقواله في الأغاني ٤٤ ج١١ وشعراء النصراينة ٧٠ والشعر والشعراء ١١٠ وله أبيات متفرقة في كتب الأدب ونحوها وليس له ديوان مجموع.
(٢-٢) المهلهل بن ربيعة (توفي نحو سنة ٥٣١م)
وكان المهلهل في أثناء ذلك يقول الشعر على مقتضيات الأحوال بين فخر وحماسة وغيرهما … فمن ذلك قوله يوم علم بمقتل أخيه وجاء إلى قومه فرأى النساء يبكين، فقال: «استبقين للبكاء عيونًا إلى آخر الأبد» وقال وهو أول شعره:
ثم تخلص إلى الرثاء والوعيد بالثأر، ومن مراثيه في أخيه قوله من قصيدة:
ومن أقواله قصيدته المعدودة من المنتقيات ومطلعها:
والعرب تسميها الداهية، وقد وضع القصاصون قصة حماسية بطلها المهلهل تُعرف بقصة الزير، كما وضعوا قصة عنترة ولكنها متأخرة وعبارتها أقرب إلى العامية، وللمهلهل ذكر في تاريخ الشعر العربي فإنه أول من طول قصائده كما تقدم.
وقد جُمعت أشعاره في ديوان، وهو أقدم شاعر جُمع له ديوان ولم يصل إلينا هذا الديوان، ولكن بعض المعاصرين جمع له ديوانًا أخذه من أقواله في كتب الأدب وغيرها ولم نقف عليه، ولكنك تجد معظم أشعاره في الأغاني ١٤٨ ج٤ وخزانة الأدب ٣٠٠ ج١ والشعر والشعراء ١٦٤ والجمهرة ١٦٥ وفي تاريخ ابن الأثير ومعجم ياقوت ومعجم البكري وشعراء النصرانية ١٦٠ وفي ديوان الحماسة وغيرها.
(٢-٣) عبد يغوث (توفي سنة ٥٨٠م)
هو عبد يغوث بن صلاءة من بني الحارث بن كعب من كهلان، كان فارسًا سيدًا لقومه، وكان قائدهم في يوم الكلاب الثاني إلى بني تميم وقد أُسر يومئذ وقُتل، وهو عريق في الشاعرية ونبغ من أهله غير شاعر وكلهم فحول، وأحسن شعره قصيدة قالها وهو يتأهب للموت، وكان قد أُسر وشُدَّ لسانه بنسعة، وخيروه في الطريقة التي يريد أن يُقتل بها فقال: «اسقوني الخمر ودعوني أنح على نفسي» فسقوه وقطعوا له عرق الأكحل وتركوه ودمه ينزف ومعه ابناه، فجعلا يلومانه على ما أركبهما من المشاق فنظم هذه القصيدة ومطلعها:
ومنها قوله:
وأخباره في الأغاني ٧٣ ج١٥ وخزانة الأدب ٣١٧ ج١ وشعراء النصرانية ٧٥ والكامل لابن الأثير ومعجم البلدان وغيرها.
(٢-٤) زهير بن جناب (توفي سنة ٥٠٠م)
هو زهير بن جناب الكلبي من قضاعة، وهو من مشاهير أمراء العرب في الجاهلية، وُلد في آخر القرن الرابع للميلاد وعمِّر طويلًا ربما بلغ عمره ١٥٠ سنة، وله حروب كثيرة مع قبائل العرب وتولى الإمارة على بكر وتغلب لصاحب اليمن، وما زال عليهم حتى حاولوا الاستقلال من اليمن كما تقدم.
ولما كبر زهير وشاخ ثقلت همته وكُف بصره، وظل مع ذلك مقدمًا عند ملوك اليمن والشام، وكان الغساسنة يستشيرونه حتى توفي نحو سنة ٥٠٠ وهو من أقدم الشعراء وأجودهم ولم يصلنا من شعره إلا القليل، هذه أمثلة منه في الحماسة:
ويقال: إنه صاحب البيت المشهور:
وجاءت أخباره في الأغاني ١٧ ج٣ والشعر والشعراء ٢٢٣ وشعراء النصرانية ٢٠٥ وأمثال الميداني وغيرها.
(٢-٥) عامر بن الطفيل العامري (توفي سنة ٦٣٣م)
هو ابن عم لبيد الشاعر، وكان فارس قيس وسيدهم، وكان عقيمًا لا يولد له، ومن جيد شعره في الحماسة قوله:
ومن قوله في الفخر:
(٢-٦) أبو قيس بن الأسلت
هو عامر بن جشم من الأوس وهو سيدهم أسندوا إليه حروبهم وجعلوه رئيسًا عليهم في حرب يوم بعاث، فقام فيها خير قيام، ومن شعره قوله في امرأة خفرة:
وهو من أصحاب المذهبات ومطلع مذهبته:
وأخباره في الأغاني ١٦٠ ج١٥ والجمهرة ١٢٦.
(٢-٧) الحصين بن الحمام (توفي سنة ٦٢١م)
هو الحصين بن الحمام بن ربيعة سيد بني سهم بن مرة من قيس، وكان يُعرف بمانع الضيم، وأحسن ما وصل إلينا من أقواله قصيدة حماسية فخرية قالها على أثر نصر في موضع يقال له دارة موضوع، مطلعها:
وهي من جملة المفضليات التي اختارها المفضل الضبي، أخباره في الأغاني ١٢٣ ج١٢ والشعر والشعراء ٤١٠ وشعراء النصرانية ٧٣٣ والسيرة النبوية لابن هشام والحماسة والعمدة.
(٢-٨) قيس بن عاصم
وعنه يروون وصية أوصى بها أولاده، ضرب لهم فيها مَثل الاتحاد بالرماح إذا ضُمت معًا يعسر كسرها وإذا تفرقت كُسرت.
وأخبار قيس في الأغاني ١٤٩ ج١٢ وخزانة الأدب ٤٢٨ ج٣ والمستطرف ٩٧ ج١ والعقد الفريد ١٦٤ ج١.
- (١)ورقاء بن زهير الغطفاني سيد بني عبس. ترجمته في الأغاني ٨ ج١١.
- (٢)حجر بن عمرو والد امرئ القيس. ترجمته في شعراء النصرانية ص١.
- (٣)أمية بن الأسكر التيمي (مضر) ترجمته في الأغاني ١٥٦ ج١٨.
- (٤)منظور بن زبان سيد فزارة وقائدهم، ترجمته في الأغاني ٥٥ ج١١.
- (٥)الأخشن بن شهاب من سادات تغلب. ترجمته في شعراء النصرانية ١٨٤.
- (٦)دريد بن الصمة (توفي سنة ٦٣٠) من هوازن سيد جشم، وهو من أصحاب المنتقيات، ترجمته في الأغاني ٢ ج٩، والشعر والشعراء ٤٧٠، وشعراء النصرانية ٧٥٢، والجمهرة ١١٧.
وقد ذكرنا بجانب كل واحد من هؤلاء المأخذ الذي يمكن الرجوع إليه في مطالعة خبره أو أمثلة من شعره، ولهم أخبار وأشعار أيضًا في سائر كتب الأدب … وخصوصًا الشعر والشعراء والحماسة.
(٣) الشعراء الفرسان
هم أكثر شعراء الجاهلية؛ لأن الفروسية والحرب من طبائع أهل البادية، وقَل من الشعراء من لم يركب أو يغزُ، ولكننا اختصصنا في هذا الفصل من غلبت عليهم الفروسية، وفيهم الفرسان المشهورون وغير المشهورين، وهم نحو ٤٠ فارسًا، لو أردنا إيراد تراجمهم لاستغرق ذلك مكانًا كبيرًا مع قلة الحاجة إلى التفصيل في هذا المقام، فنكتفي بذكر الأشهر منهم أو من كان له ديوان محفوظ يمكن الرجوع إليه، ونكتفي فيمن بقي منهم بذكر المآخذ التي يمكن الرجوع إليها في مطالعة أخبارهم، وهاك تراجم الأشهر:
(٣-١) أبو محجن الثقفي (توفي سنة ٦٥٠م)
هو فارس شجاع يُنسب إلى ثقيف، وكان مولعًا بالشراب، وقد أدرك الإسلام فهو مخضرم، وحبسه سعد بن أبي وقاص لشرب الخمر، واتفق بعد قليل أن المسلمين أصابهم جهد في القادسية، وكان عند أم ولد لسعد المذكور، فهاجت حماسته ونظم هذه الأبيات:
ثم احتالت أم ولد سعد المذكور في اطلاق سراحه، ومن قوله في حب الخمر:
ولأبي محجن ديوان شعر مطبوع في لندن سنة ١٨٨٧، ومنه نسخة خطية في دار الكتب المصرية، وأخباره متفرقة في الشعر والشعراء ٢٥١، وخزانة الأدب ٥٥٣ ج٣، وفي الأغاني وغيره.
(٣-٢) الأغلب العجلي (توفي سنة ٦٤٣م)
هو الأغلب بن عمرو من جشم من بني عجل من ربيعة، وهو أحد المعمرين في الجاهلية، وأدرك الإسلام وأسلم، وكان في جملة من توجه إلى الكوفة مع سعد بن أبي وقاص، ومات في واقعة لها وُلد سنة ٢١ﻫ، وهو أول من رجز الأراجيز الطوال … فقد كان العرب ينشدون الرجز في الحرب والحداء والمفاخرة فيأتون منه بأبيات يسيرة، ثم جاء الأغلب فكان أول من قصد الرجز وأطاله ثم سلك الناس طريقته، والإسلام لم يمنعه من النظم كما منع لبيدًا، وقد تقدم خبر ذلك في ترجمة لبيد، ولم نقف له على شعر أو خبر غير ما في الأغاني ١٦٤ ج١٨، والشعر والشعراء ٣٨٩، وخزانة الأدب ٣٣٣ ج١.
(٣-٣) حاتم الطائي (توفي سنة ٥٠٦م)
هو حاتم بن عبد الله من قبيلة طي ويكنى أبا سفانة، وهو من أجواد العرب وله أخبار في السخاء مشهورة حتى جرى ذكره مجرى الأمثال، فيقال: «أجود من حاتم طيء» وكانت والدته من أسخى الناس حتى اضطر إخوتها أن يحجروا على أموالها خوفًا من تبذيرها، وكانت ابنته سفانة سخية أيضًا، فكان أبوها يعطيها القطعة بعد القطعة من إبله فتهبها للناس، وكان حاتم مع ذلك شاعرًا وشجاعًا، ويشبه جوده شعره، وإذا قاتل غلب، وإذا غنم أنهب، وإذا سابق سبق، وكان إذا أهل الشهر الأصم الذي كانت مضر تعظمه في الجاهلية وتنحر له، ينحر في كل يوم عشرة من الإبل فيطعم الناس، وكانت الشعراء تفد عليه كالحطيئة وبشر بن أبي حازم، ويروون عن سخاء حاتم وقائع يغلب أن تكون موضوعة أو مبالغًا فيها؛ لتمثيل فضيلة السخاء وتحبيبها إلى الناس من قبيل الشعر التمثيلي وقد أشرنا إلى ذلك في كلامنا عن أقسام الشعر عند اليونان، ومن أقواله في السخاء:
وقوله:
أخذه ابن يعفر فقال:
ويستحسن له قوله:
ولحاتم ديوان مطبوع في لندن سنة ١٨٧٢ بعناية المرحوم رزق الله حسون، وطُبع أيضًا في بيروت، وأخباره منثورة في الأغاني ٩٦ ج١٦، والشعر والشعراء ١٢٣، وخزانة الأدب ٤٩٤ ج١، والمستطرف ١٣٧ ج١، والعقد الفريد ٨١ ج١، وشعراء النصرانية ٩٨.
(٣-٤) زيد الخيل
هو زيد بن مهلهل من طي، وكان رجلًا جسيمًا طويلًا جميلًا فارسًا مغوارًا مظفرًا شجاعًا بعيد الصيت في الجاهلية، وأدرك الإسلام وَوَفَد على النبي … فسُرَّ به ولَقَبَهُ وقرظه وسماه زيد الخير، وهو شاعر مقل لأنه إنما كان يقول الشعر في مفاخراته ومغازيه وأياديه عند من مر عليه وأحسن في قراه إليه، وقد سمي زيد الخيل لكثرة خيله يوم لم يكن لسواه من العرب إلا الفرس والفرسان، فكانت له خيل كثيرة … منها المسماة المعروفة التي ذكرها في شعره وهي ستة: الهطال، والكميت، والورد، وكامل، ودوول، ولاحق، وله في كل منها شعر وكان له ثلاثة بنين كلهم شاعر، وأكثر أشعاره في الحماسة والفخر وذكر المواقع والطعن والضرب كقوله:
وجرت بينه وبين بعض القبائل معركة أُسر فيها الحطيئة الشاعر فحبسه وضيق عليه، وقال في ذلك:
ولا نعرف لزيد الخيل ديوانًا مجموعًا ولكن أخباره منثورة في الأغاني ٤٧ ج١٦، والشعر والشعراء ١٥٦، والدميري ٢٠١ ج١، وخزانة الأدب ٤٨٨ ج٢.
(٣-٥) سلامة بن جندل التميمي (توفي سنة ٦٠٨م)
هو شاعر جليل من قدماء الشعراء، وكان من فرسان تميم المعدودين وأخوه أحمر مثله، شعره سلس يستشهد به أهل اللغة؛ لمتانته، وكان معاصرًا لعمرو بن هند صاحب الحيرة والنعمان أبي قابوس وله فيهما أشعار، ومن أحسن شعره قصيدته التي مطلعها:
وترى أمثلة من شعره في كتاب الشعر والشعراء ١٤٧، وشعراء النصرانية ٤٨٦، وخزانة الأدب ٨٦ ج٢، ومعجم البلدان.
(٣-٦) علقمة الفحل
هو علقمة بن عبدة من تميم، وكان معاصرًا لامرئ القيس وينازعه الشعر، وتحاكما إلى أم جندب زوجة امرئ القيس، فقالت لهما أنظما قصيدتين من وزن واحد وقافية واحدة تصفان بها الخيل، فنظم امرؤ القيس قصيدته التي مطلعها:
ونظم علقمة قصيدة مطلعها:
وأنشداها القصيدتين فحكمت لعلقمة لأن امرأ القيس قال في وصف سرعة الفرس:
وقال علقمة:
ومرجع حكمها إلى أن امرأ القيس أجهد فرسه بسوطه وساقه، أما علقمة فإن فرسه أدرك طريدته وهو ثان عنانه … فغضب امرؤ القيس وطلق امرأته فتزوجها علقمة!
ومن جيد شعره قوله:
(٣-٧) عمرو بن معدي كرب (توفي سنة ٦٤٣م)
هو من زبيد من مذحج (كهلان) فارس من فرسان اليمن أو هو فارس اليمن ويقدمونه على زيد الخيل في البأس، وقد أدرك الإسلام وأسلم وجاهد حتى مات في آخر خلافة عمر بن الخطاب، وهو ممن يصدق عن نفسه في شعره فلا يفاخر بالمحال، ومن ذلك قوله:
ومن أشعاره الذاهبة مذهب الأمثال قوله:
وأخباره في الأغاني ٢٥ ج١٤، والشعر والشعراء ٢١٩، وخزانة الأدب ٤٢٥ ج١، والمستطرف ١٧٩ ج١.
(٣-٨) قيس بن الخطيم (توفي سنة ٦١٢م)
هو شاعر فارس من الأوس، اعتدى رجل من الخزرج على أبيه وهو غلام فقتله، وعلم أن جده قتله رجل من عبد القيس … فلما عرف موضع ثأره لم يزل يلتمس غرة من قاتل أبيه وجده في المواسم، فظفر بقاتل أبيه في يثرب فقتله وظفر بقاتل جده في ذي المجاز، ولكنه رآه في ركب عظيم فاستنجد خداش بن زهير فنهض معه ببني عامر حتى أتوا القاتل، فطعنه قيس بحربة قتلته وفرَّ، فأراد رهط الرجل أن يتبعوه فمنعهم بنو عامر، وفي ذلك يقول قيس:
وهو معدود من أصحاب المذهبات، ومطلع مذهبته:
ومن أقواله في الفخر:
ولقيس بن الخطيم ديوان منه نسخة خطية في دار الكتب المصرية، وله أخبار متفرقة في كتب الأدب وخصوصًا الأغاني ١٥٩ ج٢ والجمهرة ١٢٣.
(٣-٩) سائر الشعراء الفرسان
اسم الشاعر | أسماء المصادر |
---|---|
أحيحة بن الجلاح (توفي سنة ٥٦١م) من الأوس ومن أصحاب المذهبات | الأغاني ١١٩ ج١٣. |
جحدر بن ضبيعة من بكر وائل (٥٣٠) | شعراء النصرانية ٢٦٨ |
أفنون هو ضريم بن معشر من تغلب | شعراء النصرانية ١٩٢ والشعر والشعراء ٢٤٨ |
بسطام بن قيس الشيباني من بكر | شعراء النصرانية ٢٥٦ |
جابر بن حني التغلبي (٥٦٤) | شعراء النصرانية ١٨٨ |
الحارث بن الطفيل وفد على كسرى | الأغاني ٥٣ ج١٢ |
خفاف بن ندبة السلمي من قيس | الأغاني ١٣٩ ج١٦ وخزانة الأدب ٨١ ج٢ |
ذو الإصبع العدواني (٦٠٢) | الأغاني ٢ ج٣ وخزانة الأدب ٤٠٨ ج٢ وشعراء النصرانية ٦٢٥ |
الربيع بن زياد العبسي (٥٩٠) | الأغاني ٢٠ ج١٦ وشعراء النصرانية ٧٨٧ |
زهير التميمي من أشراف مازن | الأغاني ١٥٦ ج١٩ |
الحارث بن عباد من بكر بن وائل | شعراء النصرانية ٢٧٠ |
صخر بن عبد الله من هذيل | الأغاني ٢٠ ج٢٠ |
العباس بن مرداس وأخوه سراقة | الشعر والشعراء ١٦٦ج و٤٦٧ والأغاني ٦٤ ج١٣ وخزانة الأدب ٧٣ ج١ |
عبدة بن الطبيب تميم | الأغاني ١٦٣ ج١٨ والشعر والشعراء ٤٥٦ |
سويد بن أبي كاهل يشكر | الأغاني ١٧١ ج١١ وشعراء النصرانية ٤٢٥ والشعر والشعراء ٢٥٠ |
عمرو بن العجلان هذيل | الأغاني ٢٢ ج٢٠ |
الفند الزماني (٥٣٠) بكر | الأغاني ١٤٣ ج٢٠ وخزانة الأدب ٥٨ ج٢ وشعراء النصرانية ٢٤١ |
متمم بن نويرة من أصحاب المراثي | الأغاني ٦٦ ج١٤ وابن خلكان ١٧٢ ج٢ والشعر والشعراء ١٩٢ وخزانة الأدب ٢٣٦ ج١ والجمهرة ١٤١ |
نبيه بن الحجاج قريش | خزانة الأدب ١٠١ ج٣ |
كعب بن سعد الغنوي قيس | الخزانة ٦٢١ ج٣ وشعراء النصرانية ٧٤٦ |
(٤) الشعراء الحكماء
نريد بالحكماء من الشعراء الذين كان لهم علم غير الشعر وكانت له حكمة، وقد دخل بعضهم في طبقة الشعراء والأمراء وفي أصحاب المعلقات كالأفوه الأودي وزهير بن أبي سلمى، ونحن ذاكرون فيما يلي من غلبت فيه الحكمة على سواها مع الشاعرية.
(٤-١) أمية بن أبي الصلت (توفي سنة ٦٢٤م)
وكان أمية مفطورًا على التدين، فلقي في تجارته إلى الشام بعض أهل الدين، فزهد في الدنيا ولبس المسوح وتعبد، وقد ذكر إبراهيم وإسماعيل والحنيفية ووصف الجنة والنار في شعره وحرم الخمر وشك في الأوثان وطمع في النبوة، وكان العرب ينتظرون نبيًّا يهديهم، فكان يرجو أن يكون هو، فلما ظهر النبي أسقط في يده، وقال: «إنما كنت أرجو أن أكونه» ولكنه ما انفك يختلف إلى الأديرة والكنائس يجالس الرهبان والقسوس حتى غلب على ظن البعض أنه مسيحي، ومن قوله وفيه فلسفة:
وله قصيدة يصف بها الله وملائكته مطلعها:
وبعد أن يصف العزة الإلهية ومجلسها يصف الملائكة بقوله:
وله عدة قصائد في حوادث التوراة كخراب سدود وقصة إسحق وإبراهيم، وله قصيدة معدودة في المجمهرات مطلعها:
وأخباره في الأغاني ١٨٦ ج٣ و٣ ج٨ و٧١ ج١٦ والدميري ١٥٤ ج٢ وخزانة الأدب ١١٩ ج١ وشعراء النصرانية ٢١٩ والعمدة وغيرها.
(٤-٢) ورقة بن نوفل (توفي سنة ٥٩٢م)
إنه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى وإنه لنبي هذه الأمة.
وله أشعار كان يغني بها المغنون في صدر الإسلام منها قوله:
ومن شعره في التوحيد والدين قصيدة مطلعها:
وقصيدة أخرى مطلعها:
وتجد شيئًا من أخباره في السيرة النبوية لابن هشام ٧٦ و٨٠ ج١، والأغاني ١٣ ج٣، وشعراء النصرانية ٦١٦، والسيرة الحلبية ٢٥٦ ج١، ومعجم البلدان.
(٤-٣) زيد بن عمرو (توفي سنة ٦٢٠م)
هو أيضًا من عبد العزى من قريش، وقد اعتزل الأوثان مثل ورقة، وكان يقول: «يا معشر قريش أيرسل الله قطر السماء وينبت بقل الأرض ويخلق السائمة فترعى فيه وتذبحوها لغير الله؟» فأخرجه القرشيون من مكة، ومنعوه أن يدخلها، وكان أشدهم عليه الخطاب بن نفيل والد عمر، وكان قد تخلف عن عبادة الأوثان أربعة من قريش هم: ورقة وزيد المذكوران، وعبيد الله بن جحش، وعثمان بن الحويرث، فاجتمع هؤلاء وتواطأوا على رفض الوثنية، وعلى أن يضربوا في البلدان يلتمسون الحنيفية دين إبراهيم، فلما أجمع زيد على الخروج منعه الخطاب عمه وعاتبه على فراق دين آبائه، ثم خرج سائحًا ويقال: إنه قُتل في الشام، وله أشعار في التدين منها:
وتجد أخباره في الأغاني ١٥ ج٣، والسيرة النبوية لابن هشام ٧٦ ج١، وشعراء النصرانية ٦١٩، وخزانة الأدب ٩٩ ج٣.
(٤-٤) قس بن ساعدة (توفي سنة ٦٠٠م)
هو من إياد يعدونه من الخطباء، ولكنه كان خطيب العرب وشاعرها وحكيمها في عصره، وهو أسقف من نجران، والمشهور أنه أول من علا على شرف وخطب عليه، وأول من قال: «أما بعد»، وينسبون إليه قوله: «البينة على من ادعى واليمين على من أنكر»، وقد أدركه الرسول ورآه في عكاظ فكان يروي عنه كلامًا سمعه منه، وكان فصيحًا يضرب المثل بفصاحته، وكان يفد على قيصر زائرًا فيكرمه ويعظمه، ولكنه كان زاهدًا في الدنيا ينظر إليها نظر الفلاسفة فلا يرغب في البقاء فيها كما يؤخذ من خطبته التي قالها في عكاظ ورواها أبو بكر الصديق وهي مشهورة، ختمها بقوله:
ولعل الذي زهده في الدنيا وكرهها إليه المصيبة التي انتابته بفقد أخوين كانا يعبدان الله معه، فماتا ودفنهما معًا وشق عليه مصابه بهما فكان يتردد على قبريهما ويندبهما، ومن قوله في قصيدة:
وله أشعار كثيرة ضاع معظمها وله أقوال جرت مجرى الأمثال وجمعت في كتاب شعراء النصرانية ٢١١ وفي الأغاني ٤١ ج١٤ وخزانة الأدب ٢٦٧ ج١ وغيرها من كتب الأدب والتاريخ والبيان.
(٥) الشعراء العشاق
والحب يحرك الشاعرية ويشحذ القريحة — وخصوصًا مع الغيرة — ليس للشعر فقط، بل في كل ما يفتقر إلى خيال، وبين الشعراء الفرسان الذين ترجمنا لهم غير واحد من المحبين، وكذلك في سائر الطبقات، لكننا خصصنا هذا الباب فيمن لم يكن له باعث على النظم غير العشق، وكان أكثر شعره أو كله في معشوقته، وهذه الطبقة كانت قليلة قبل الإسلام؛ لاشتغال القوم بالحرب عن سواها، ولأن بعض القبائل كانت تحرم الغزل على الإطلاق.
ثم تكاثر الشعراء العشاق بعد الإسلام لانتشار التسري وركون القوم إلى الرخاء، حتى إذا نضج التمدن الإسلامي ودخلت العناصر الأجنبية تحول ذلك إلى التهتك والتخنث كما سيجيء، أما في الجاهلية، فالشعراء المتيمون يُعدون على الأصابع، أشهرهم:
(٥-١) المرقش الأكبر (توفي سنة ٥٥٢م)
اسمه عوف بن سعد بن مالك من بكر وائل، وهو من الشعراء المقدمين، ويمتاز عن أكثر شعراء الجاهلية بأنه كان يعرف الكتابة لأن أباه دفعه وأخاه حرملة إلى نصراني من أهل الحيرة علمهما الخط، ويندر في أهل الجاهلية من فعل ذلك خصوصًا الشعراء، فإن معولهم في حفظ أشعارهم على الرواة، ويختلف عن أكثر شعراء الجاهلية بأنه مات متيمًا، وسبب موته أنه كان يهوى ابنة عم له اسمها أسماء عشقها وهو غلام، فقال له عمه: «لا أزوجك حتى تُعرف بالبأس» فسافر المرقش في طلب العلا، وأُصيب عمه في أثناء غيابه بضيق فأتاه رجل من بني مراد أطمعه بالمال فزوجه أسماء على مائة من الإبل، فلما عاد المرقش أخفوا خبر الزواج عنه، ثم اكتشف خبره، فركب في طلب ذلك المرادي مع صديق له من غفيلة، فمرض في الطريق فنزلا كهفًا في أسفل نجران، وهي أرض مراد ومعه صديقه الغفيلي وامرأته، وسمعهما يتآمران على تركه يأسًا من شفائه … فاختلس فرصة كَتب فيها على مؤخر الرحل هذه الأبيات:
ورأينا بعض الأبيات يُنسب إلى المهلهل أيضًا، وانطلق الغفيلي حتى أتى أهله وأخبرهم أن المرقش مات، ولكن أخاه حرملة قرأ ما على الرحل، فشك في صدق الرجل واستنطقه فاعترف له بالحقيقة فركب في طلبه … فلما بلغ الكهف أخبر أن المرقش علم وهو هناك بوجود أسماء وزوجها، فاحتال حتى حمل إليهما في حديث طويل ولم يطل مكثه فمات عندهما، وقال في موته شعرًا مطلعه:
وهو من أصحاب المنتقيات … وله أقوال في الحماسة يصف بها بعض المعارك وأخرى في الفخر … ومن أحسن شعره في الحماسة قصيدته التي استهلها بذكر حبيبته:
ثم تخلص إلى وصف خروجه وسفره، وقصيدة أخرى في وصف الطلول ونجائب الإبل وغيرها، واتصل المرقش الأكبر بالحارث بن أبي شمر الغساني، ونادمه سنة ٥٢٤ ومدحه.
وترى أشعاره وأخباره في الأغاني ١٨٩ ج٥، والشعر والشعراء ١٠٢، وشعراء النصرانية ٢٨٢، وخزانة الأدب ٥١٤ ج٣، والجمهرة ١١٢، وغيرها من كتب الأدب.
(٥-٢) عبد الله بن عجلان (توفي سنة ٥٦٦م)
هو من نهد من قضاعة شاعر متيم قتله الحب، وكان له زوجة يقال لها هند طلقها؛ لأنها لم تلد له، فتزوجها غيره، ثم ندم على ذلك ومات أسفًا عليها، وكان سيدًا في قومه وابن سيد من سادتهم، وكان أبوه أكثر بني نهد مالًا، وكان يجدر بنا إدخاله في جملة الشعراء الأمراء لولا تغلب العشق عليه، ومن أقواله فيها:
وله أخبار وأشعار جُمعت في الأغاني ١٠٢ ج١٩، والشعر والشعراء ٤٤٩.
(٥-٣) عروة بن حزام العذري (توفي سنة ٣٠ﻫ)٢٤
هو من الشعراء المتيمين الذين أدركوا الإسلام، وقد قتلهم الهوى، لا يُعرف له شعر إلا في عفراء بنت عمه، وتشبيبه بها وكان قد خطبها من أبيها فوعده ثم زوجها لغيره … فأثر ذلك في مزاجه فضعف واضطرب حتى ظنوا فيه الخبل وأصابه هزال، فرآه ابن مكحول عراف اليمامة فجالسه وسأله عما به وهل هو خبل أو جنون؟ فقال له عروة: «هل لك علم بالأوجاع؟» قال: «نعم» فأنشأ يقول:
وقال يخاطب صديقين له رافقاه:
وتجد أخباره في الأغاني ١٥٢ ج٢٠، وفوات الوفيات ٣٣ ج٢، والشعر والشعراء ٣٩٤، وخزانة الأدب ٥٣٤ ج١.
(٥-٤) مالك بن الصمصامة
هو من جعدة كان يهوى جنوب بنت محصن الجعدي فمنعه أخوها منها، وكان مالك شاعرًا فارسًا شجاعًا جميلًا فبلغه أن أخاها أقسم إذا تعرض مالك لأخته أسره وجز ناصيته فقال:
وله أشعار أخرى في الأغاني ٨٣ ج١٩.
(٥-٥) مسافر بن أبي عمرو
هو من قريش، كان سيدًا جوادًا أَحب هندًا بنت عتبة التي تزوجها أبو سفيان بعد ذلك، وهي أم معاوية وإخوته، فخطبها مسافر وهو ذو ثروة فلم تقبله، فلما بلغه زواجها بأبي سفيان اعتلَّ ومات وله فيها أشعار، وأخباره في الأغاني ٤٨ ج٨.
- منظور بن زبان من فزارة كان عاشقًا، وهو من الأمراء أيضًا وقد تقدم ذكره.
- مسعود بن خراشة من تميم، وهو من المخضرمين.
- عنترة العبسي، وقد تقدمت ترجمته.
(٦) الشعراء الصعاليك
هم طائفة من الشعراء اشتهروا بالعدو والإغارة على القبائل للنهب، أشهرهم:
(٦-١) الشنفرى (توفي سنة ٥١٠م)
هو من الأواس بن الحجر من الأزد شاعر من أهل اليمن معدود في العدائين الذين لا تلحقهم الخيل، منهم هذا، وسليك بن السلكة، وعمرو بن براقة، وأُسيد بن جابر، وتأبط شرًّا، ويقال: إن الشنفرى حَلَفَ ليقتلن مائة رجل من بني سلامان فقتل تسعة وتسعين، فاحتالوا عليه فأمسكه رجل منهم عدَّاء هو أسيد بن جابر ثم قتله، فمر به رجل منهم فركل جمجمته … فدخلت شظية منها في رجله فمات، فتمت القتلى مائة، وللشنفرى أشعار في الفخر والحماسة أشهرها لاميته المعروفة بلامية العرب ومطلعها:
وقصيدة اختارها صاحب المفضليات مطلعها:
وأخبار الشنفرى مفرقة في الأغاني ٨٧ ج٢١، والشعر والشعراء ١٨، وخزانة الأدب ١٦ ج٢، والمفضليات وغيرها.
(٦-٢) تأبط شرًّا (توفي سنة ٥٣٠م)
هو ثابت بن جابر من فَهم من قيس كان أسمع العرب وأبصرهم وأكيدهم، كان أعدى رجل، ينظر إلى الظباء فينتقي على نظره أسمنها، ثم يعدو خلفه فلا يفوته، وله أخبار كثيرة يضيق عنها هذا المكان، ومن شعره في وصف الغول:
(٦-٣) السليك بن السلكة (توفي سنة ٦٥٠م)
هو من تميم، أمه أمة سوداء، وكان من عاداته إذا كان الشتاء استودع بيض النعام ماء السماء ثم دفنه … فإذا كان الصيف وانقطعت إغارة الخيل أغار، وكان أدل من قطاة يجيء حتى يقف على البيضة، وكان لا يغير على مضر وإنما يغير على اليمن، فإذا لم يمكنه ذلك أغار على ربيعة، ويعده المفضل الضبي من أشد رجال العرب وأنكرهم وأشعرهم، وكان أدل الناس بالأرض وأعلمهم بمسالكها، وله أخبار كثيرة مدهشة، ومن شعره على أثر غزوة رابحة:
وأخباره في الأغاني ١٣٣ ج١٨ والشعر والشعراء ٢١٣.
(٦-٤) عروة بن الورد (توفي سنة ٥٩٦م)
هو من عبس، وكان شاعرًا فارسًا وصعلوكًا مقدمًا، وكان يلقب عروة الصعاليك؛ لأنه كان كالرئيس عليهم يجمعهم ويقوم بأمرهم إذا أخفقوا في غزواتهم، ويعولهم إذا لم يكن عندهم معاش، وكان لشعره تأثير في نفوس قبيلته. سئل الحطيئة كيف كنتم في حربكم؟ قال: «كنا ألف حازم»، فقيل، وكيف ذلك؟ قال: «كان فينا قيس بن زهير وكان حازمًا وكنا لا نعصيه وكنا نقدم إقدام عنترة ونأتم بشعر عروة بن الورد وننقاد لأمر الربيع بن زياد»، ومن شعر عروة قوله:
ومن قوله في الإقدام:
ومن ذلك قوله:
والهجمة من الإبل ما زاد على الأربعين، وله قصيدة تعد من المنتقيات مطلعها:
فترى الهمة والنشاط والإقدام ظاهرة في كل أقواله.
- (١)حاجز الأزدي (٥٧٠) كان يسبق الخيل. ترجمته في الأغاني ٤٩ ج١٢.
- (٢)قيس بن الحدادية الأزدي. ترجمته في الأغاني ٢ ج١٣.
- (٣)أبو الطمحان القيني من قضاعة، مخضرم. ترجمته في الأغاني ١٣٠ ج١١ والشعر والشعراء ٩٢٩ وخزانة الأدب ٤٢٨ ج٣.
(٦-٥) شعراء اليهود
- (١)السموأل بن غريض بن عاديا (توفي سنة ٥٦٠م).
ويلحقون نسبه بالكاهن هرون أخي موسى، وهو صاحب حصن الأبلق بتيماء، ويُضرب المثل بوفائه، وحديثه مع امرئ القيس الشاعر ودروعه أشهر من أن يذكر حتى يتبادر إلى الذهن أن العرب وضعوا ذلك الحديث أو بالغوا فيه على سبيل التمثيل؛ ترغيبًا في الوفاء فإن الطبيعة تأبى على الرحل أن يضحي بابنه في سبيل الوفاء، ولا نقول: إن ذلك مستحيل لكنه بعيد الحدوث وقد أشرنا إلى ذلك قبلًا، وكانت العرب تنزل بالسموأل فيضيفها، واشتهر بقصيدته الفخرية التي مطلعها:
إذا المرء لم يَدْنَس من اللؤم عرضُهفكلُّ رداءٍ يرتديه جميلوقد خمسها غير واحد أشهرهم صفي الدين الحلي.
وللسموأل ديوان شعر طُبع في بيروت سنة ١٩٠٩ وله أخبار في الأغاني ٩٨ ج١٩ و١٢ ج٣ و٨٧ ج٦ و٣٧ ج٩ والمستطرف ١٦٢ ج١ والشعر والشعراء ٤٥ والمشرق مجلد ٩ و١٠ و١٢.
- (٢)أوس بن دني من قريظة ترجمته في الأغاني ٩٤ ج١٩.
- (٣)الربيع بن أبي الحقيق من رؤساء قريظة ترجمته في الأغاني ٦١ ج٢١.
- (٤)كعب بن الأشرف من النضير له مناقضات. ترجمته في الأغاني ١٠٦ ج١٩.
(٧) النساء الشواعر
قد ذكرنا ما كان من رُقي المرأة في الجاهلية وعزة نفسها وذكائها، والشعر لا ينمو ويزهر إلا في ظل العز والارتقاء، ويندر نبوغ الشعراء البلغاء في أمة ذليلة … فظهر في الجاهلية عدة شواعر جاء ذِكر عشرات منهن في الحماسة وغيرها، وذكرنا أسماء بعضهن فيما تقدم، وهاك تراجم أشهرهن:
(٧-١) الخنساء (توفيت سنة ٦٤٦م)
هي تماضر بنت عمرو بن الشريد من سراة سليم (قيس) من أهل نجد، وقد أجمع رواة الشعر على أنه لم تقم امرأة في العرب قبلها ولا بعدها أشعر منها، وقد أنشدت شعرها النابغة في عكاظ، فأعجب به وقال لها: «لولا أن هذا الأعمى أنشدني قبلك (يعني الأعشى) لفضلتك على شعراء هذا الموسم» على أن أكثر قولها في رثاء أخيها صخر، وكان قد قُتل في واقعة يوم الكلاب من أيام العرب ودُفن في أرض سليم … فأخذت تنظم فيه المراثي كأن الحزن أثار شاعريتها، وقد أدركت الخنساء الإسلام وهي عجوز ولها أربعة أولاد، فشهدت حرب القادسية وحرضت أولادها على الثبات في القتال، فلما حمي الوطيس تقدموا واحدًا واحدًا ينشدون الرجز يذكرون فيه وصية والدتهم حتى قُتلوا عن آخرهم، فلما بلغها الخبر، قالت: «الحمد لله الذي شرفني بقتلهم».
ومن أشعارها في رثاء صخر أخيها قولها:
وللخنساء ديوان شعر كبير طُبع في بيروت مشروحًا سنة ١٨٨٨، وفيه مراثٍ لستين شاعرة، وتُرجم إلى الفرنسية وطُبع سنة ١٨٨٩، ولها أخبار كثيرة متفرقة بالأغاني ٦٤ و١٣٦ ج١٣ و٣٤ ج٤، وخزانة الأدب ٢٠٨ ج١، والشعر والشعراء ١٩٧.
(٧-٢) خرنق بنت بدر بن هفان (توفيت سنة ٥٧٠م)
هي أخت طرفة بن العبد لأمه، ولها أشعار كثيرة في أخيها وزوجها لم يصلنا منها إلا بضعة وخمسون بيتًا جُمعت في ديوان، منه نسخة خطية في دار الكتب المصرية، وقد طُبعت أخبارها وأشعارها في شعراء النصرانية ٣٢١، وأفردت في ديوان على حدة طُبع في بيروت، ولها أخبار في خزانة الأدب ٣٠٦ ج٢.
(٧-٣) ليلى العفيفة (توفيت سنة ٤٨٣م)
هي بنت لكيز من ربيعة من أقدم الشعراء، وكانت تامة الحُسن كثيرة الأدب، ولها شعر حسن نُشر بعضه في كتاب شعراء النصرانية ١٤٨.
(٧-٤) جليلة بنت مرة (توفيت سنة ٥٣٨م)
هي أخت جساس الشيباني قاتل كليب بن ربيعة، وهي أيضًا زوجة كليب المقتول، فلما قُتل زوجها رحلت من بيته وشمتت بها أخت كليب فأجابتها بشعر مطلعه:
وتجد أخبارها في شعراء النصرانية ٢٥٢، والأغاني ١٥١ ج٤.
(٨) الشعراء الهجاءون
لا تكاد تجد في شعراء الجاهلية شاعرًا يتوخى الهجو فيفرد له قولًا، وإنما كان هجوهم يأتي في أثناء مفاخراتهم وحماسياتهم، ولكن ظهرت طبقة من الهجائين في أواخر عصر الجاهلية، وأكثرهم من المخضرمين الذين أدركوا الإسلام … منهم الحطيئة العبسي، وحسان بن ثابت وابنه عبد الرحمن، وعبد الرحمن بن الحكم، وعبد الله بن الزبعري السهمي، فأفردنا لهم هذا الفصل.
(٨-١) الحطيئة
وكان إذا نزل مدينة أو نجعًا دب الخوف في أهله، وأرصدوا له العطايا؛ خوفًا من لسانه، وهو يبالغ في الطمع كثيرًا … ذكروا أنه نزل المدينة مرة فمشى أشرافها بعضهم إلى بعض فقالوا: «قد قدم علينا هذا الرجل وهو شاعر والشاعر يظن فيحقق، وهو يأتي الرجل من أشرافكم يسأله فإن أعطاه جهد نفسه بهرها (فوق ما تستطيع) وإن حرمه هجاه» فأجمع رأيهم على أن يجعلوا له شيئًا معدًا يجمعونه بينهم … فكان أهل البيت من قريش والأنصار يجمعون له العشرة والعشرين والثلاثين من الدنانير حتى جمعوا له أربعمائة دينار وظنوا أنهم قد أغنوه فأتوه، فقالوا له: «هذه صلة آل فلان، وهذه صلة آل فلان، وهذه صلة آل فلان» فأخذها فظنوا أنهم قد كفوه عن المسألة، فإذا هو يوم الجمعة قد استقبل الإمام ماثلًا ينادي: «مَن يحملني على بغلين» … هكذا كان يفعل مع كل قوم ينزل فيهم وإلا سلقهم بهجوه.
وأكثر هجوه الذي وصل إلينا في الزبرقان وبغيض، وكان الزبرقان من عمال عمر بن الخطاب، وقد عرف شدة وطأة الحطيئة فأحب أن يقربه فدعاه إليه وأنزله في قومه، وضمن له مؤونة عياله على أن يستصفي له مدحه. وكان بغيض بن عامر من بني أنف الناقة وإخوته وأهله ينازعون الزبرقان الشرف، فاغتنموا استهانة أم شذرة أم الزبرقان مرة بالحطيئة ودعوه إليهم، وفي مقدمتهم بغيض هذا وعلقمة بن هوذة، فسار معهم وضربوا له قبة بكل طنب من أطنابها جلة (وعاء تمر) هجرية وأراحوا عليه إبلهم وأكثروا من التمر واللبن وبالغوا في إكرامه، فمدحهم بالبيت المشهور الذي رفع رءوسهم وهو:
ثم جاء الزبرقان يطلب الحطيئة منهم؛ لأنه جاره فأبوا وتنازعوا، ثم اتفقوا على أن يخيروه في الذهاب إلى أحد الحيين فاختار بغيضًا، فرجع الزبرقان مغضبًا فحرض بغيض الحطيئة على هجوه ففعل. ومن قوله يهجو الزبرقان ويناضل عن بغيض:
وشكاه الناس لعمر بن الخطاب فسجنه، فكتب إليه من السجن أبياتًا يشكو إليه حال أهله بسبب سجنه منها:
ثم أخرجه من السجن وهدده بقطع لسانه وأذنيه فتوسط له بعض الصحابة، فأطلقه وأوصاه أن يكف لسانه عن الهجو، وبلغ من شغف الحطيئة بالهجو أنه هجا أمه وأباه وهجا نفسه … فمما هجا به أمه قوله:
وقال لأبيه:
وقال لنفسه:
وهو من أصحاب المشوبات ومطلع مشوبته:
وللحطيئة أشعار كثيرة جُمعت في ديوان طُبع في ليبسك سنة ١٨٩٣، وفي مصر وبيروت مع شروح. وله شرح خطي في دار الكتب المصرية، وأخباره في الشعر والشعراء ١٨٠، وفي الأغاني ٤٣ ج٢ و٣٩ ج١٦، وفي العقد الفريد ٨٠ ج١، و١١١ ج٣، وفي المستطرف ١٣٩ ج١، وخزانة الأدب ٤٠٩ ج١، والجمهرة ١٥٣.
(٨-٢) حسان بن ثابت (توفي سنة ٥٤ﻫ)
هو من الخزرج من أهل المدينة، وقد عاصر الجاهلية والإسلام … فهو من المخضرمين، واشتهر في الجاهلية بمدح ملوك غسان وملوك الحيرة، وله مع النابغة الذبياني أحاديث، واختُص بعد الإسلام بمدح النبي والدفاع عنه، وهو يعد أشعر أهل المدن في ذلك العصر، وكان شديد الهجاء حتى قيل: لو مزج البحر بشعره لمزجه. قال أبو عبيدة: «فضل حسان الشعراء بثلاثة: كان شاعر الأنصار في الجاهلية، وشاعر النبي ﷺ في النبوة، وشاعر اليمن كلها في الإسلام»، ومن شعره في الجاهلية قوله يمدح جبلة بن الأيهم الغساني:
أما في الإسلام، فكان حسان في جملة من أسلم وأخذ يناصر الرسول، ولم يكن رجل حرب فنصره بلسانه، وكان الرسول ﷺ يُسر به ويستنشده الأشعار في الدفاع عن المسلمين إذا هجاهم هاج من المشركين أو غيرهم، وقد حمله الرسول ﷺ على ذلك؛ ليرد عنه هجو الهاجين … فقد كان يهجو الرسول ﷺ والمسلمين ثلاثة من قريش هم: عبد الله بن الزبعري، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وعمرو بن العاص، فقال قائل لعلي بن أبي طالب: «اهج عنا القوم الذين قد هجونا» فقال علي: «إن أذن لي رسول الله ﷺ فعلت» فقال رجل: «يا رسول الله ﷺ ائذن لعليٍّ كي يهجو عنا هؤلاء القوم الذين قد هجونا» قال: «ليس هناك أو ليس عنده ذلك»، ثم قال: «ما يمنع القوم الذين نصروا رسول الله ﷺ بسلاحهم أن ينصروه بألسنتهم؟» فقال حسان بن ثابت: «أنا لها» وأخذ يطرف لسانه وقال: «والله ما يسرني به مقول بين بصرى وصنعاء» قال: «كيف تهجوهم وأنا منهم» فقال: «إني أسلُّك منهم كما تُسل الشعرة من العجين» فكان يهجوهم ثلاثة من الأنصار: حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة، فكان حسان وكعب يعارضانهم بمثل قولهم بالوقائع والأيام والمآثر ويعيرانهم بالمثالب، وكان عبد الله بن رواحة يعيرهم بالكفر … فكان في ذلك الزمان أشد القول عليهم قول حسان وكعب، وأهون القول عليهم قول ابن رواحة … فلما أسلموا وفقهوا الإسلام، كان أشد القول عليهم قول ابن رواحة، ومن أمثلة دفاعه عن الرسول ﷺ أن وفدًا من تميم جاءوا الرسول ﷺ وهم سبعون أو ثمانون رجلًا فيهم خيرة الشعراء من تميم … وفيهم الزبرقان بن بدر، فأنشد الزبرقان قصيدة فخر فأمر الرسول حسانًا أن يجيبهم فقال:
إلى أن قال:
وهو من أصحاب المذهبات ومطلع مذهبته:
وقد جُمعت أشعاره في ديوان وطُبع في الهند وتونس، ثم طبعته لجنة تذكار جيب في إنجلترا سنة ١٩١٠، وضبطته على النسخ الخطية الموجودة في مكاتب لندن وبرلين وباريس وبطرسبورج بعد الاطلاع على النسخ المطبوعة المتقدم ذكرها.
وتجد أخباره في الشعر والشعراء ١٧٠، والأغاني ٢ ج٤، و١٦٩ ج٨، و١٦٩ ج١٠، و١٥٠ ج١٣، و٢ ج١٤، وخزانة الأدب ١١١ ج١، والجمهرة ١٢١، وفي السنة السادسة من الهلال ٤٨٢.
(٨-٣) عبد الرحمن بن الحكم
هو أخو مروان بن الحكم الذي تولى الخلافة في الدولة الأموية، وأفضت بعده إلى أولاده وأحفاده، وكان عبد الرحمن هذا يهاجي عبد الرحمن بن حسان بن ثابت، الأول يدافع عن قريش وبني أمية، والثاني عن الأنصار، وقد هجا ابن الحكم أخاه الحارث لأنه ذهب في غزوة ولم يفلح، فقال فيه أبياتًا منها:
وهجا أخاه مروان، فضلًا عن هجوه الأنصار وغيرهم.
وتجد أخباره في ذلك مدونة في الأغاني ٧٢ ج١٢، و١٥٠ ج١٣.
ومن الشعراء الهجائين أيضًا:
(٨-٤) عبد الله بن الزبعري
هو أحد شعراء قريش المعدودين لكنه كان هجَّاءً فأكثر من هجو المسلمين وحرض عليهم كفار قريش، ثم أسلم فقُبل إسلامه، وتجد أخباره في الأغاني ١١ ج١٤.
(٩) الشعراء الوصافون للخيل
قد رأيت وصفًا كثيرًا في أشعار من تقدم ذكرهم، وخصوصًا أصحاب المعلقات ولا سيما امرأ القيس، ولكننا نريد أن نضمن هذا الباب الشعراء الذين اشتهروا بوصف الخيل دون سواها، وهم ثلاثة، نضيف إليهم شاعرًا اشتهر بوصف الحمير وهم:
(٩-١) أبو دؤاد الأيادي
هو من أقدم شعراء الجاهلية، وأكثر أشعاره في وصف الخيل وله أشعار في المدح والفخر ومن قوله في وصف الفرس:
وليس له ديوان معروف، ولكن أخباره في الأغاني ٩٥ ج١٥ و٤٧ ج٢، والشعر والشعراء ١٢٠.
(٩-٢) طفيل الغنوي
هو طفيل بن عوف، شاعر جاهلي من الفحول المعدودين، ومن أشعر شعراء قيس، ومن أوصف العرب للخيل حتى سموه طفيل الخيل لكثرة وصفه إياها، وهو يدخل وصفها في كل باب من شعره، ومن قوله:
ومن قوله في وصف بيته:
(٩-٣) النابغة الجعدي
هو غير النابغة الذبياني، وهو من جعدة (قيس) مخضرم، قال الشعر في الجاهلية، وسكت دهرًا ثم نبغ في الإسلام. ويقال مع ذلك: إنه كان أسن من الذبياني. وهو ممن فكر في الجاهلية فأنكر الخمر والمسكر وهجر الأزلام والأوثان، وكان مغلبًا إذا هوجى غلب، وله مهاجاة مع ليلى الأخيلية وغيرها، ويقول علماء الشعر في وصف شعره: «خمار بواف ومطرف بآلاف» يريدون أن بين أشعاره تفاوتًا كبيرًا، ومن قوله في وصف الفرس:
وله قصيدة جمعها أبو زيد مع المشوبات في جمهرة أشعار العرب، يصف بها حاله منذ كان عند المنذر، وكيف سار إلى الرسول وأسلم، ووصف ناقته وفرسه وبعض المواقع وغير ذلك مطلعها:
وللنابغة الجعدي أخبار متفرقة في الأغاني ١٢٨ ج٤، والشعر والشعراء ١٥٨، وجمهرة أشعار العرب ١٤٥، وفي خزانة الأدب ٥١٢ ج١
(٩-٤) الشماخ بن ضرار
ويدخل في هذا الباب الشماخ بن ضرار الذبياني، فإنه وصاف للحمير وهو مخضرم، ويقولون: إن الحطيئة كتب في وصيته: «أبلغوا الشماخ أنه أشعر غطفان كلها» وقد أجمع علماء الشعر على أنه أوصف الشعراء للحمير، وأوصفهم للقوس، وأرجزهم على البديهة، وكان فيه ميل إلى الهجاء حتى إنه يهجو أهله وضيفه، وقد يصح عده من الشعراء الهجائين، ولكن الوصف غالب عليه، ومن وصفه القوس، قوله:
وهذان البيتان من قصيدة عدها أبو زيد من المشوبات ومطلعها:
وقد جمعت أشعار الشماخ في ديوان منه نسخة خطية في دار الكتب المصرية، وله أخبار متفرقة في الأغاني ١٠١ ج٨، والشعر والشعراء ١٧٧، وخزانة الأدب ٥٢٦ ج١، والجمهرة ١٥٤.
ومن وصاف الخيل أيضًا سلامة بن جندل وقد ترجمنا له مع الشعراء الفرسان، وفاتنا أن نذكر هناك أن له ديوانًا طُبع في بيروت.
(٩-٥) الشعراء الموالي
عبد بني الحسحاس
ليس فيمن وصلنا خبرهم من الجاهليين شاعر من الموالي أو العبيد إلا عبد بني الحسحاس، وهو حبشي واسمه سحيم، كان مطبوعًا على الشعر، اشتراه بنو الحسحاس وهم بطن من أسد، ومن نظمه قوله:
وذكروا أن صاحبه كان اسمه مالكًا جاء به ليبيعه لعثمان بن عفان، فقال: «لا حاجة لي به؛ إذ الشاعر لا حريم له، إن شبع تشبب بنساء أهله، وإن جاع هجاهم» فاشتراه غيره فلما رحل قال في طريقه:
فلما بلغهم شعره هذا رثوا له فاستردوه، فكان يشبب بنسائهم، ويفحش غاية الفحش، فقتلوه، وأخباره في الأغاني ٢ ج٢٠، والشعر والشعراء ٢٤١.
(١٠) سائر الشعراء الجاهليين
بقيت طائفة من شعراء الجاهلية لا يدخلون في باب من الأبواب التي تقدمت، وإن كانت تلك الأبواب كثيرًا ما تختلط أغراضها …؛ إذ لا يتفق أن يستقل شاعر أو بضعة شعراء بالحكم أو الفخر أو الوصف أو الهجاء دون سواه، ولكننا جمعنا المتقاربين في بعض تلك الأغراض ليسهل تعليقهم بالذاكرة، وبقي جماعة منهم لا يجتمعون في باب … وهم كثيرون نكتفي بذكر أشهرهم وخصوصًا الذين لهم آثار باقية يمكن الحصول عليها وهم:
(١٠-١) ابن الدمينة
هو عبد الله بن عبيد الله أحد بني عامر من خثعم وأمه الدمينة من سلول — اشتهر بحديث امرأته حمادة — وذلك أنه بلغه أن بعض أخواله من سلول يأتيها خلسة، فرصده حتى أتاه فقتله وقتلها، على أنه قبل أن يقتل الرجل منعه عن المجيء إليها فغضب وأراد أن ينتقم منه، فنظم قصيدة يصف بها المرأة وصفَ من تفحص بدنها … فذهب ابن الدمينة إلى امرأته وسألها: «كيف عرف ذلك فيك؟» قالت: «وصفته له النساء» فغضب وقال: «والله إن لم تمكنيني منه لأقتلنك» فبعثت إليه وواعدته، وكان زوجها كامنًا له … فقام وقتله ضغطًا على كبده حتى يخفي جريمته، لكن أهله تحققوا فعلته، وعشق في أثناء ذلك امرأة من قومه اسمها أميمة وهام بها، فلما وصلته تجنى عليها وجعل ينقطع عنها ثم زارها فقالت هذه الأبيات:
فأجابها بمثل عتابها وهو ألطف أساليب العتاب:
ثم تزوجها بعد ذلك وقُتل وهي عنده، وهذه الأبيات تغنى بها المسلمون أجيالًا، وإليه تُنسب الأبيات المشهورة:
ولابن الدمينة ديوان شعر منه نسخة خطية في دار الكتب المصرية، وله أخبار في الأغاني ١٥١ ج١٥ والشعر والشعراء ٤٥٨.
(١٠-٢) أوس بن حجر
هو من نمير أحد بطون تميم من فحول الشعراء الجاهليين، يقرنه بعضهم بالحطيئة وبالنابغة. قالوا: كان أوس شاعر مضر كلها حتى حل مكانه النابغة وزهير، فأصبح شاعر تميم في الجاهلية غير مدافع، وكان غزلًا مغرمًا بالنساء فخرج في سفر، وبينما هو في أرض بني أسد يسير على ناقته ليلًا صرعته فاندقت فخذه، فظل في مكانه لا يستطيع انتقالًا حتى خرجت بنات الحي يجتنين الكماة … فبصرن بالناقة ورأين أوسًا ملقى ففزعن، فنادى إحداهن وسألها عمن هي، فقالت: «حليمة بنت فضالة» وكان يعرف أباها، فدفع إليها حجرًا وقال: «أعطي هذا إلى أبيك، وقولي له: ابن هذا يقرؤك السلام» فمضت وبلَّغت ما قاله فأتى فضالة فاحتمله إلى بيته وعالجه، فنظم فيه أوس مدائحَ كثيرةً وأحب ابنته ونظم فيها، ثم توفي فضالة فرثاه أحسن الرثاء، منه قوله:
(١٠-٣) المتلمس (توفي سنة ٥٨٠م)
فلما بلغه أنه قُتل بها قال:
ونظم في هجو عمرو بن هند قصيدة طويلة هي من خيرة شعره مطلعها:
وأقام المتلمس في حوران عند الغساسنة إلى وفاته، ومن قوله وفيه إفراط في الفخر من قصيدة عاتب بها خاله الحارث اليشكري:
يريد أن دماءهم تمتاز عن دماء غيرهم أو تأبى الامتزاج بها، ومنها:
ومما يتمثل به من شعره قوله:
وهو من أصحاب المنتقيات ومطلع قصيدته:
وقد جمع شعر المتلمس في ديوان منه نسختان خطيتان في دار الكتب المصرية وأخباره في الأغاني ١٢٠ ج٢١، والشعر والشعراء ٨٥، وحياة الحيوان للدميري ٢٠٩ ج٢، وابن خلكان ١٩٩ ج٢، والجمهرة ١١٣، وشعراء النصرانية ٣٣٠، والحماسة وشرحها، ومعجم البلدان، ولسان العرب، وغيرها.
(١٠-٤) المثقب العبدي (توفي سنة ٥٨٧م)
هو عائذ بن محصن بن ثعلبة من ربيعة، وكان في جملة الذين كانوا يترددون على عمرو بن هند ويمدحونه وله فيه قصائد، وله في وصف راحلته قصيدة مطلعها:
وله قصيدة يمدح بها عمرًا المذكور مطلعها:
ومما سبق إليه وأخذ عنه قوله من هذه القصيدة في وصف ناقته:
الباكرات القطا، فأخذ هذا المعنى عنه ذو الرمة والطرماح.
وله قصيدة منها البيت المشهور:
وللمثقب ديوان حوى شعره مع شروح منه نسخة خطية في دار الكتب المصرية وأخباره في الشعر والشعراء ٢٣٣، وخزانة الأدب ج٤، وشعراء النصرانية ٤٠٠.
(١٠-٥) المنخل اليشكري (توفي سنة ٥٩٧م)
هو المنخل بن عبيد من يشكر من بكر وائل (ربيعة) شاعر مقل، كان ينادم النعمان مع النابغة الذبياني، ولكن النعمان كان يُؤْثِر شعر النابغة على شعره، فسعى المنخل بالنابغة وأوغر صدر النعمان عليه حتى هم بقتله فهرب النابغة وخلا المنخل بمجالسته، ثم اتهمه النعمان بامرأته وأمر بقتله فقُتل، ويقال: إنه دُفن حيًّا، والعرب تضرب المثل به كما تضربه بمن هلك منهم ولم يعلم خبره، ومن مشهور شعره أبيات من قصيدة له في الفخر مطلعها:
إلى أن يقول:
وأخبار المنخل في الأغاني ١٥٢ ج١٨، و١٦٦ ج٩، والشعر والشعراء ٢٣٨، وشعراء النصرانية ٤٢١.
(١٠-٦) كعب بن زهير (توفي سنة ٢٤ﻫ)
هو كعب بن زهير بن أبي سلمى، ولكعب ذكر خاص عند ظهور الإسلام؛ لأنه من المخضرمين، وكان هجا الرسول ثم جاءه وأسلم، ومدحه بقصيدته المشهورة التي مطلعها:
وهي من المشوبات … ولما أقبل على النبي وطلب الأمان أنشده إياها والمجلس حافل بالصحابة من قريش وغيرهم، فلما وصل إلى قوله:
وقد طُبعت هذه القصيدة مرارًا بمصر وأوربا، وشرحها كثيرون منهم ابن دريد والتبريزي وغيرهما في العصور المختلفة إلى الآن، ومن الأصل والشروح نسخ كثيرة في مكاتب برلين ولندن والإسكوريال ومصر وغيرها، وشطرها غير واحد مما يطول شرحه، وأخبار كعب في الأغاني ١٤٧ ج١٥، والشعر والشعراء ٥٨، و٦٧، والجمهرة ١٤٨ والحماسة وغيرها.
(١٠-٧) معن بن أوس (توفي سنة ٢٩ﻫ)
هو معن بن أوس بن نصر من مزينة (مضر) شاعر مجيد فحل من المخضرمين وله مدائح في جماعة من الصحابة، ووفد على عمر بن الخطاب مستعينًا به على أمره وخاطبه بقصيدته التي أولها:
ويقال: إنه لقي معاوية أيضًا، وكان معاوية يفضل مزينة في الشعر ويقول: «كان أشعر أهل الجاهلية منهم وهو زهير» وأشعر أهل الإسلام منهم، وهما ابنه كعب ومعن بن أوس، وكان معن مئنانًا، يحسن صحبة بناته وتربيتهن، ومن شعره قوله:
وله ديوان مطبوع في ليبسك سنة ١٩٠٣، وأخباره في الأغاني ١٦٤ ج١٠، وخزانة الأدب ٢٥٨ ج٣.
(١٠-٨) الباقي من هذه الطبقة
اسم الشاعر | المصادر |
---|---|
كثير بن الغريرة من تميم شاعر مخضرم | الأغاني ٩٧ ج١٠ |
أبو خراش الهذلي من هذيل | الأغاني ٣٨ ج٢١ |
أبو ذؤايب الهذلي من أصحاب المراثي | الأغاني ٥٨ ج٦ والشعر والشعراء ٤١٣ |
أبو زبيد الطائي كان يزور عثمان | الأغاني ٢٤ ج١١ والشعر والشعراء ١٦٧ |
أبو العيال من هذيل شاعر فصيح أدرك معاوية | الأغاني ١٦٧ ج٢٠ |
الأسود بن يعفر من تميم شاعر فصيح | الشعر والشعراء ١٣٤ والأغاني ١٣٤ ج١١ والخزانة ٩٥ ج١ وشعراء النصرانية ٤٧٥ |
جران العود* | الشعر والشعراء ٤٥٠ |
الحادرة المازني† شاعر مقل | الأغاني ٨٢ ج٣ |
حنظلة الطائي صاحب الوفاء | شعراء النصرانية ٨٩ والمستطرف ١٦١ ج١ |
خزيمة بن نهد من قضاعة شاعر قديم | الأغاني ١٥٩ ج١١ |
ربيعة بن مقروم من ضبة | الأغاني ٩٠ ج١٩ والشعر والشعراء ١٨٠ وخزانة الأدب ٥٦٦ ج٣ |
سويد بن أبي كاهل من يشكر | الأغاني ١٧١ ج١١ والشعر والشعراء ٢٥٠ |
عدي بن زيد العبادي من تميم من أصحاب المجمهرات شاعر، كاتب كسرى | الأغاني ١٨ ج٢ والشعر والشعراء ١١١ والجمهرة ١٠٢ |
عدي بن نوفل من قريش شاعر مقل | الأغاني ١٣٥ ج١٣ |
عمرو بن شأس من أسد | الأغاني ٦٣ ج١٠ والشعر والشعراء ٢٥٤ |
عمرو بن سعيد من قريش | الأغاني ٨٧ ج٨ |
عمرو بن براقة شاعر قديم | الأغاني ١٣٠ ج٢١ |
عمرو بن قميئة من ربيعة | الأغاني ١٦٣ ج١٦ والخزانة ٢٤٩ ج٢ والشعر والشعراء ٢٢٢ |
عيينة بن مرداس شاعر مقل | الأغاني ١٤٣ ج١٩ |
غيلان الثقفي من أهل الطائف | الأغاني ٤٥ ج١٢ |
فضالة بن شريك من مضر وفد على ابن الزبير | الأغاني ١٧١ ج١٠ |
كعب بن مالك من الخزرج مخضرم | الأغاني ٢٦ ج١٥ والخزانة ٢٠٠ ج١ |
لقيط بن يعمر الأبادي شاعر جاهلي قديم‡ | الأغاني ٢٣ ج٢٠ والشعر والشعراء ٩٧ |
المتنخل من هذيل شاعر فحل | الأغاني ١٤٥ ج٢٠ وخزانة الأدب ١٣٧ ج٢ |
المخبل السعدي من تميم مات أيام عمر | الأغاني ٤٠ ج١٢ والشعر والشعراء ٢٥٠ وخزانة الأدب ٥٣٥ ج٢ |
الممزق العبدي (٤٨٠م) شاعر قديم | الشعر والشعراء ٢٣٥ |
النمر بن تولب من عكل من أصحاب المجمهرات | الأغاني ١٥٧ ج١٩ والشعر والشعراء ١٧٣ والجمهرة ١٠٩ |
هدبة بن الخشرم§ من بادية الحجاز كان راوية الحطيئة | الأغاني ١٦٩ ج٢١ والشعر والشعراء ٤٣٤ وخزانة الأدب ٨٤ ج٤ |
يزيد بن عبد المدان | شعراء النصرانية ٨٠ |
هؤلاء شعراء الجاهلية والمخضرمون ممن وقفنا لهم على تراجم مستقلة مع بيان أغراضهم ومراتبهم. وهناك طائفة كبيرة عُرفوا بأبيات أو قصائد ومنهم كثيرون في كتب الأدب والحماسة والمجمهرات والمفضليات وغيرها.
(١٠-٩) مآخذ الشعراء الجاهليين
يحسن بنا أن نأتي على ذكر الكتب التي يمكن لطلاب الشعر التوسع بها في معرفة الشعراء الجاهليين أو المخضرمين، غير الدواوين التي تقدم ذكرها وغير المعاجم اللغوية، وهذه أهمها مما طُبع ويقرب تناوله، ونذكر هنا الطبعات التي عولنا عليها في المصادر التي بين أيدينا مُرتبة حسب الحروف الأبجدية؛ لتسهل المراجعة على المطالع:
اسم الكتاب | سنة الطبع ومكانه |
---|---|
(١) أشعار الهذليين رواية السكري | لندن سنة ١٨٥٤ |
(٢) الأصمعيات | ليبسك سنة١٩٠٢ |
(٣) الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني ٢١ جزءًا | بولاق سنة ١٢٨٥ |
(٤) أمالي القالي | مصر سنة ١٣٢٦ |
(٥) أمثال العرب للضبي | الأستانة سنة ١٣٠٠ |
(٦) البيان والتبيين للجاحظ جزآن | مصر سنة ١٣١٣ |
(٧) جمهرة أشعار العرب لأبي زيد بن أبي الخطاب | بولاق سنة ١٣٠٨ |
(٨) جمهرة الأمثال لأبي الحسن العسكري | بمباي سنة ١٣٠٧ |
(٩) الحماسة لأبي تمام وشرحها للتبريزي ٤ أجزاء | بولاق سنة ١٢٩٦ |
(١٠) الحماسة للبحتري | بيروت سنة ١٩٠٩ |
(١١) خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب ٤ أجزاء | بولاق سنة ١٢٩٩ |
(١٢) سيرة الرسول لابن هشام ٣ أجزاء | بولاق سنة ١٢٩٥ |
(١٣) شرح القصائد العشر للتبريزي | كلكته سنة ١٨٩٤ |
(١٤) شرح المقامات الحريرية للشريشي | بولاق سنة ١٢٨٤ |
(١٥) الشعر والشعراء لابن قتيبة | ليدن سنة ١٩٠٢ |
(١٦) شعراء النصرانية للأب شيخو ٦ أجزاء | بيروت سنة ١٨٩٠ |
(١٧) طبقات الشعراء لإسكندر أبكاريوس | بيروت سنة ١٨٥٨ |
(١٨) العقد الثمين في الشعراء الستة الجاهليين | لندن سنة ١٨٧٠ |
(١٩) العقد الفريد لابن عبد ربه ٣ أجزاء | مصر سنة ١٣٠٥ |
(٢٠) العمدة لابن رشيق جزءان | مصر سنة ١٣٢٥ |
(٢١) قواعد الشعر لثعلب | ليدن سنة١٨٩٠ |
(٢٢) الكامل لابن الأثير ١٢ جزءًا | مصر سنة ١٣٠٢ |
(٢٣) الكامل للمبرد | مصر سنة ١٢٨٦ |
(٢٤) الكشكول وعلى هامشه أدب الدنيا والدين | مصر سنة ١٣٠٥ |
(٢٥) مجمع الأمثال للميداني مشروح | بيروت سنة ١٣١٢ |
(٢٦) مصارع العشاق للسراج | الأستانة سنة ١٣٠٨ |
(٢٧) معجم البلدان لياقوت الحموي ٦ أجزاء | ليبسك سنة ١٨٧٠ |
(٢٨) معجم ما استعجم للبكري جزءان | غوتنجن سنة ١٨٧٧ |
(٢٩) المعلقات وشروحها | مصر سنة ١٣١٩ |
(٣٠) المفضليات للمفضل الضبي | ليبسك سنة ١٨٨٥ |
(٣١) نقد الشعر لقدامة بن جعفر | الأستانة سنة ١٣٠٢ |
-
Ahlwardt, Ueber Poesie Poeetik der Araber, Gotha 1856.
-
Clouston. Arabian Poetry for English readers, Glasgow 1881.
-
Guyard, Théorie nouvelle de la métrique arabe précédée de Considération gén, sur le rythme natural du langue J.A. 1876.
-
Muir. Ancient Arabic Poetry; its genuinness & its Authenticity. J.R.A.S.1879.
-
Noeldeke, Beitroege Zur Kenntness der Poesie der alten Araber, Hanover 1864.
-
Slane, Le diwan d’Amrou ’L’ Kais précédé de la vie de ce poéte, Paris 1837.
-
Lyall, Translation of Ancient Arabic poetry, London 1887.
وهناك شرح للمعلقات بالعربية والفارسية والهندية اسمه رياض الفيض طُبع في لاهور (الهند) سنة ١٢٩٩.
(١١) الخطابة في الجاهلية
الخطابة تحتاج إلى خيال وبلاغة، ولذلك عددناها من قبيل الشعر أو هي شعر منثور، وهو شعر منظوم، لكل منهما موقفه … فالخطابة تحتاج إلى الحماسة، ويغلب تأثيرها في أبناء عصر الفروسية وأصحاب النفوس الأبية طلاب الاستقلال والحرية مما لا يشترط في الشعر، ولذلك تشابهت جاهلية العرب وجاهلية اليونان من هذا الوجه لأن كليهما أهل شعر وخطابة وأهل إباء واستقلال، ولذلك أيضًا كانت الخطابة رائجة عند الرومان مع تأخر الشعر عندهم، ولنفس هذا السبب قصر العبرانيون في الخطابة مع تقدمهم في الشعر لغلبة الذل والضعف على طباعهم، فتحول خيالهم الشعري إلى الشكوى والتضرع وانصرفت قرائحهم إلى نظم المراثي والحكم.
(١١-١) موضوعات الخطب
أما إيفاد الوفود فقد كان شائعًا في تلك العصور، فكانت دول الروم والهند والصين والفرس يتبادلون الوفود لمبادلة العلاقات أو للمفاخرة، ولم يكن للعرب دول تستوفد من قبلها، ولكن المنادرة ملوك العرب في العراق كانوا يذكرون فصاحة العرب بين يدي الأكاسرة وخصوصًا كسرى أنوشروان فكان يميل إلى مشاهدتهم … فاتفق مرة أن النعمان خاطبه في ذلك، فطلب إليه أن يريه واحدًا منهم فاستقدم جماعة من خطباء العرب اختار من كل قبيلة اثنين أو ثلاثة هم بالحقيقة حكماؤها ووجهاؤها، ومنهم أكثم بن صيفي، وحاجب بن زرارة من قبيلة تميم، والحارث بن ظالم، وقيس بن مسعود من قبيلة بكر، وخالد بن جعفر، وعلقمة بن علاثة، وعامر بن الطفيل من بني عامر، وغيرهم فقدموا علىي كسرى، وخطب كل منهم بين يديه خطابًا ذكره ابن عبد ربه مفصلًا في الجزء الثالث من العقد الفريد.
على أن عرب اليمن وشرقي جزيرة العرب كانوا يقدمون على كسرى للشكوى من عماله هناك، وكان غيرهم من العرب يفدون عليه بالهدايا من الخيل ونحوها على سبيل الاستجداء كما فعل أبو سفيان والد معاوية.
وكانوا يفدون على الأمراء من العرب وغيرهم كوفود حسان بن ثابت على النعمان بن المنذر بالحيرة وعلى آل جفنة في البلقاء، ووفود وجهاء قريش على سيف بن ذي يزن في اليمن بعد انتصاره على الحبشة … وفدوا عليه للتهنئة بالنصر، وكان في جملة خطباء ذلك الوفد عبد المطلب جد النبي، ومن هذا القبيل وفود القبائل على النبي بعد أن استتب له الأمر؛ فقد جاءه من كل قبيلة وجهاؤها وخيرة بلغائها للدخول في الإسلام أو للاستفهام أو غير ذلك، ومن هذا القبيل أيضًا وفود العرب على الخلفاء للتسليم والتهنئة … كوفود جبلة بن الأيهم، وعمرو بن معدي كرب على عمر بن الخطاب، ووفود أهل اليمامة على أبي بكر وغيرهم مما يطول شرحه.
(١١-٢) الخطباء
ومنهم سحبان وائل الباهلي الذي يُضرب المثل بفصاحته، فيقال: «هو أخطب من سحبان وائل» وكان إذا خطب يسيل عرقًا ولا يعيد كلمة ولا يتوقف ولا يقعد حتى يفرغ. ومنهم جماعة كبيرة من حِمير كدويد بن زيد، وزهير بن جناب، ومرثد الخير، وغيرهم من سائر القبائل كالحارث بن كعب المذحجي، وقيس بن زهير العبسي، وذي الإصبع العدواني، وأكثم بن صيفي التميمي، وعمرو بن كلثوم، وغيرهم.
وتجد أمثلة من خطب الجاهلية أو في أثناء الفتوح في كتب الأدب، ولا سيما العقد الفريد لابن عبد ربه، والبيان والتبيين للجاحظ، والأغاني ونهج البلاغة (خطب علي) وفي كتب المغازي والفتوح كفتوح الشام لأبي إسماعيل البصري، وفتوح الشام للواقدي، وفتوح البلدان للبلاذري، والسيرة النبوية لابن هشام، وتاريخ الطبري، وابن الأثير، وغيرها.
(١٢) الأنساب في الجاهلية
للأنساب في عصور الجاهلية عند الأمم القديمة شأن كبير؛ إذ يكون للناس عناية عظمى في حفظ أنسابهم للتناصر على الأعداء، أو للتفاخر بالآباء، وقد بالغ اليونان في ذلك حتى حفظوا أنساب آلهتهم وكيفية تسلسلها بعضها من بعض، ثم نسبوا أنفسهم إليها فلم يكن في جاهلية اليونان أسرة كبيرة من الأشراف ورجال السلطان إلا وحبل نسبها يتصل ببعض تلك الآلهة، وقد نظم بعضهم الأشعار للتفاخر بذلك قبل المسيح ببضعة قرون، وكذلك كان الرومان في أقدم أجيالهم … فالطبقة التي تُعرف عندهم بالبطارقة، كانوا يدعون الانتساب إلى آباء أعلى طبقة من البشر.
(١٢-١) نسب العرب
(١٣) الأخبار أو التاريخ في الجاهلية
لم يكن عند عرب الجاهلية تاريخ من قبيل ما نفهمه من هذه الكلمة اليوم، ولكنهم كانوا يتناقلون أخبارًا متفرقة بعضها حدث في بلادهم والبعض الآخر نقله إليهم الذين عاشروهم من الأمم الأخرى، فمن أمثال أخبارهم حروب القبائل المعروفة بأيام العرب، وقصة سد مأرب واستيلاء أبي كرب تبان أسعد على اليمن وبعض من خلفه، وملك ذي نواس، وقصة أصحاب الأخدود وفتح الحبشة لليمن، وقصة أصحاب الفيل وقدومهم إلى الكعبة وحرب ذي يزن الحميري إلى آخر ما انتهى إليه أمر الفرس في اليمن، وقصة عمرو بن لحي وأصنام العرب وحكاية جرهم ودفن التماثيل في زمزم، وتاريخ الكعبة إلى أيام قصي بن كلاب، وولاية الحج وأمر عامر بن الظرب، ثم ما كان من تغلب قصي على أمر مكة، وقصة حلف المطيبين وحلف الفضول وحفر بئر زمزم وحرب الفِجار وحديث بنيان الكعبة … غير أخبار عاد وثمود وغيرهما من العرب البائدة، وحكاية بلقيس وسليمان ونحوهما من أخبار التوراة وغير ذلك من الأخبار التي كان العرب يتناقلونها عند ظهور الإسلام.
(١٤) الأسواق ومجالس الأدب في الجاهلية
(١٤-١) أسواق العرب
السوق مكان يجتمع فيه أهل البلاد أو القرى في أوقات معينة، يتبايعون ويتداولون ويتقايضون، ولا تزال أمثال هذه الأسواق تُقام إلى اليوم في القرى أو في البلاد البعيدة عن التمدن الحديث، على أن في بعض المدن الكبرى كالقاهرة مثلًا أسواقًا تنعقد في بعض أيام الأسبوع وتعرف بها، كسوق السبت أو السبتية وسوق الثلاثاء أو الأربعاء … فيجتمع إليها الناس من الضواحي للبيع والشراء.
ومن هذه الأسواق ما ينعقد كل أسبوع، ومنها ما لا ينعقد إلا مرة في الشهر أو في السنة، ومنها ما ينعقد مرة في بضع سنين، فإن للهنود سوقًا يقيمونها في هردوار على ضفاف الكنج كل سنة، ويبلغ عدد المجتمعين هناك في الموسم ٣٠٠٠٠٠ نفس، ويقيمون في ذلك المكان حجًّا مرة كل ١٢ سنة، يبلغ عدد الحاجين إليه نحو مليون نفس، وهو أكبر أسواق العالم، وأمثال هذه الأسواق كثيرة في روسيا وتركيا وألمانيا وفرنسا وإنجلترا وأمريكا، ففي روسيا سوق تقام في مدينة نوفكرود مرتين في السنة، يبلغ عدد الذين يؤمونها ١٢٠٠٠ نفس يجتمعون هناك من سائر بلاد روسيا ومن شرقي أوربا، ويقدرون قيمة ما يُباع من البضائع في أسواق روسيا بنحو ١٢٠٠٠٠٠٠ روبل في العام، وقس على ذلك سائر الأسواق الكبرى.
وقد كان كثير من أمثال هذه الأسواق في العالم القديم، ولكن الأقوام لا تتزاحم فيها إلا إذا كان الغرض من الاجتماع حجًّا دينيًّا، فإذا اجتمع الناس في مكان الحج وتكاثروا، احتاجوا إلى من يبيعهم الأطعمة والأشربة وغيرها فتقام الأسواق لهذه الغاية، كذلك كان شأن العرب في سوق عكاظ وغيرها من أسواق الجاهلية.
(١٤-٢) مجالس الأدب
وتجد أخبار أسواق العرب وأماكنها في جملة التاريخ الجاهلي، وفي كتب الأقاليم والمعاجم الجغرافية، وخصوصًا معجم البلدان لياقوت الحموي، ومعجم ما استعجم للبكري، وصفة جزيرة العرب للهمذاني، وكلها مطبوعة، فضلًا عما جاء من أخبارها في الأغاني ٩ ج١، و٦١ ج٢، و٢٢ و١١٠ و١٣٦ ج٤، و٩٢ ج٦، و٤٦ ج٧، و١٠ ج٩ و١٢ و٢٩ و١٤٨ ج١٠، و٥٤ ج١٢، و١٤١ ج١٣، و٤١ ج١٤، و٧٣ ج١٩ وفي السير النبوية وغيرها.