ستنظم يوم الجمعة المقبل 5 تموز الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في إيران، ويصطف وجها لوجه مرشحان لهما وجهات نظر متباينة تماما حول الشأنين الداخلي والخارجي.
إلى ذلك سيمثل سعيد جليلي، الأصوليين المتشددين وهو المعروف بعمود خيمتهم، ويتهيأ أكثر من أي وقت مضى لبلوغ قمة السلطة التنفيذية في إيران.
وفي هذه الساحة التنافسية، يواجه جليلي المتشدد، مسعود بزشكيان المدعوم من الحركة الإصلاحية.
وتساءل موقع يورونيوز الفارسي “أي من المرشحين يمكن اعتباره خيارا أكثر ملاءمة لنظام الحكم في إيران وأيهما يستطيع تحقيق مصالح النظام، خاصة على الصعيد الدولي؟”.
لقد تم تعيين سعيد جليلي في عام 2001، مديراً لقسم المتابعات في مكتب المرشد الأعلى وتزامن ذلك مع تعيين مسعود بزشكيان وزيرا للصحة في حكومة الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي منذ عام 2008، وكان جليلي آنذاك يمثل المرشد الأعلى علي خامنئي في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني واستمر في العمل كممثل للزعيم الإيراني خلال رئاسة كل من محمود أحمدي نجاد وحسن روحاني وإبراهيم رئيسي.
لقد اختار الرئيس محمد خاتمي الإصلاحي بزشكيان وزيرا للصحة لمدة أربع سنوات، وبعد ذلك أصبح نائبا عن مدينة تبريز عاصمة محافظة أذربيجان الشرقية خلال 5 دورات بارلمانية.
وخلافا لجليلي ليس لبزشكيان أي خبرة في مجال الشؤون الدولية، بينما كانت مسيرة جليلي المهنية ذات صلة بالشؤون الخارجية والمفاوضات النووية، وتولى بصفته أمينا عاما لمجلس الأمن القومي الإيراني مسؤولية الملف النووي في عام 2008، وذلك بقرار من الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، وبقي في المنصب لمدة 5 سنوات وأجرى محادثات مكثفة مع المفاوضين الغربيين في أنحاء مختلفة من العالم، ولكن دون تحقيق أي تقدم في المحادثات لصالح إيران، وأنهى جليلي مهمته النووية بالتزامن مع إصدار مجلس الأمن الدولي ثلاث قرارات ضد إيران.
هذا، وتبوأ جليلي أيضا العديد من المناصب في وزارة الخارجية الإيرانية وعمل لبعض الوقت كمساعد الوزير لشؤون أوروبا وأميركا.
خلال المناظرات المتلفزة اعترف مسعود بزشكيان مرارا وتكرارا بقلة خبرته في مجال الشؤون الدولية، لكنه وعد الناخبين بترك الأمر في هذا المجال والمجالات الأخرى للخبراء والمختصين.
إلى ذلك ظهر بزشكيان في حملته الانتخابية مع وزير الخارجية الإيراني السابق وأحد مهندسي الاتفاق النووي محمد جواد ظريف الذي ظهر إلى جانب المرشح الرئاسي الإصلاحي بقوة كمستشار له وألقى خطابات نارية رد خلالها على المرشحين المتشددين.
وكان المرشد الأعلى قد ألقى كلمة قبيل الجولة الانتخابية الأولى، حدد بعض خطوط السياسة الخارجية للمرشحين ودعاهم إلى أن “يعاهدوا الله بأنهم إن فازوا بأصوات الشعب، فلن يستعينوا بأولئك الذين يعتمدون على قوى مثل أميركا في حكومتهم”.
وفسر البعض أن هذه الكلام كان موجها للمرشح الإصلاحي وهو تحذير واضح له بعدم اختيار جواد ظريف لتولي وزارة الخارجية.
معلوم أن جليلي كان حاضرا في النواة الصلبة للسلطة منذ سنوات عديدة، ويؤكد كالمرشد الأعلى، على ضرورة اتباع سياسة “تحييد العقوبات”، ولا داعي للتفاوض بغية التوصل إلى اتفاق مع الدول الغربية.
وتستخدم إيران في أدبياتها السياسية عبارة “تحييد العقوبات” للتعبير عن أساليب غير تفاوضية لإفشال العقوبات الأميركية ومنها الالتفاف على العقوبات.
وبالعودة إلى تصريحات سعيد جليلي خلال المناظرات الانتخابية لعام 2017 بشأن عدم انضمام إيران إلى مجموعة العمل المالي (FATF) كان قد قال: “لسنا بحاجة للتحقق مما إذا كان من مصلحتنا الانضمام إلى مجموعة العمل المالي أم لا، فأعلن بوضوح أن الانضمام إلى أي معاهدة دولية لا يخدم مصالحنا”.
ويروج جليلي لنظرية عدم حاجة إيران إلى القوى الغربية، ويؤكد أن هناك العديد من القدرات المحلية التي يمكن استغلالها بغية استثمارها في العالم غير الغربي والحصول على فوائد كثيرة، وفي هذا المجال، ونتيجة لذلك يمكن القول بأنه هناك أوجه تشابه أكبر بين مجموعة نظريات جليلي مع الأفكار والمُثل التي يتبناها علي خامنئي.
أما المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان فقد كرر خلال المناظرات الانتخابية، بأنه لا يمكن حل المشاكل الداخلية في إيران دون حل المشاكل مع العالم الخارجي، مؤكدا على أن المؤيدين للعقوبات هم المستفيدون منها.
وبشكل عام، وبناء على ما قاله بزشكيان خلال حملته الانتخابية، يمكن قراءة وجهة نظره حول إدارة البلاد والتي تقوم على التعامل البناء مع العالم على أساس الحوار والتفاوض مع مختلف الدول.
إلقاء نظرة عابرة على قائمة أعضاء كابينة بزشكيان المحتملين والتي يجب تقديمها إلى البرلمان الثوري، يبدو بأنه من الصعب أن يحصلوا على ثقة السلطة التشريعية التي تسيطر عليها أغلبية أصولية وهي متناغمة مع نواة السلطة الصلبة، ونتيجة لذلك، إذا فاز بزشكيان سوف يواجه تحديات بشأن موافقة البرلمان على الوزراء الذين يحملون المؤهلات التي حددها خلال حملته الانتخابية.
وبالمقابل قد يتمكن سعيد جليلي من تمرير قائمة وزرائه في أروقة البرلمان بأقل صعوبة، ومن المرجح أن يكون العديد من أعضاء حكومته من بين النواب الذين ينتمي عدد ملحوظ منهم إلى تكتل “جبهة الصمود” المتشددة.
وحاول مسعود بزشكيان خلال حملته الانتخابية الحصول على “مباركة” المرشد الأعلى، فأكد أكثر من مرة على أن علي خامنئي هو الذي يحدد في نهاية المطاف السياسات العامة للبلاد، ومن واجب الحكومة التحرك في نفس الاتجاه.
ويذكر أن الرئيسين الإصلاحي محمد خاتمي والمعتدل حسن روحاني كانا أكثر قوة من بزشكيان بسبب حصولهما على أعلى نسبة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية، إلا أن جميع خططهما ومشاريعهما تعثرت ولم يتمكنا الوفاء بوعودهما الانتخابية لأنها تبددت على صخرة النواة الصلبة للسلطة، والسؤال الذي يراود الأوساط السياسية الإيرانية اليوم، هل سيظل بزشكيان في مثل هذا الوضع رئيسا مطيعا دون أن يتمرد كما فعله من قبل.
وكان بزشكيان قد وعد بالتعاطي الإيجابي مع قضايا المرأة وحرية الوصول إلى الإنترنت وحقوق القوميات الدستورية والحريات السياسية والاجتماعية، ولكن من الصعوبة بمكان أن تتمكن حكومته الإصلاحية من اجتياز حقول مزروعة بألغام البرلمان الأصولي المتشدد.
ونتيجة لذلك، ونظرا لشخصية بزشكيان، فإن احتمال تحديه للنواة الصلبة في السلطة أقل من توقع حلفائه الإصلاحيين منه، وبالرغم من ذلك تتناقض أفكاره وخططه وأفكار مستشاريه ونظرته للعالم، تتناقض بشكل أساسي مع مجموعة المثل العليا للثوار في “نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية”.
وعلى النقيض منه فإن جليلي، الذي لا يبدو بأنه شخصا مطيعا، (إلى درجة سبق وأن رفض حتى العضوية في حكومة إبراهيم رئيسي)، إلا أن منظومته الفكرية غير مرشحة كثيرا لتحدي النواة الصلبة للسلطة ورمزها الأبرز المرشد الأعلى علي خامنئي.