قراءة في كلمة الرئيس الصيني في منتدى دافوس الواحد والخمسون

عدنان برجي/ مدير المركز الوطني للدراسات
منذ العام 1971، ينعقد منتدى دافوس الاقتصادي العالمي الذي دعا اليه البروفيسور الألماني كلاوس شفاب، في منتجع شتوي في سويسرا، وغالبًا ما تُتلى فيه كلمات تشكل عناوين استراتيجيّة للدول وللعالم. في العام 2008 قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كلامًا لم يتوقعّه أولئك الذين كانوا يرون، ان القرن الواحد والعشرين، هو قرن أميركي بامتياز. صدقت توقعّات بوتين، وتأكدّت خطوات التراجع الأميركي.
في هذا العام، انعقد المنتدى افتراضيًا، وكان للرئيس الصيني شي جينبينغ كلمة مهمّة، ذات أبعاد استراتيجية، لم تأت غالبية وسائل الإعلام الغربي، الذي تستقي منه مؤسساتنا الإعلاميّة العربيّة أخبارها وتحليلاتها، سوى على عناوين سريعة لها.
سوف أحاول باختصار شديد، إعادة قراءة هذه الكلمة، فلربما استكشفنا ملامح المرحلة المقبلة، في ظل المتغيرات الدولية وتأثيراتها. ان “التاريخ يمضي قدمًا ولا يعود العالم الى ما كان عليه”. هكذا يقول الرئيس شي.
أمام العالم مهام أربع:
1- تعزيز التنسيق في السياسات الاقتصاديّة الكليّة، وتضافرالجهود لتحقيق النموّ القويّ، والمُستدام والمتوازن، والشامل للاقتصاد العالميّ.
الأسباب الداعية الى هذه المهمّة”.
جميع اقتصادات العالم تكبدّت الخسائر بفعل جائحة فيروس كورونا. أفق انتعاش الاقتصاد ما زال هشًّا وبدون تغيير القوّة المحرّكة للاقتصاد العالمي، وأنماطه، وتعديل هيكليّاته، لا يمكن تحقيق الانتعاش المرجوّ.

2- نبذ التحيّز الأيديولوجي، والسير على طريق التعايش السلمي، والمنفعة المتبادلة، والكسب المشترك.
أسبابها:
لا توجد ورقتا شجر متطابقتان في العالم. لكل دولة ميزة في تاريخها، وثقافتها، ونضالها الاجتماعي.لا دولة تتفوّق على أخرى، ذلك كما نقول في لبنان لا طائفة تتفوّق على أخرى. لن يكون هناك حضارة للبشرية بدون التنوّع. العجرفة، والتحيّز، والكراهية، ومحاولة فرض التاريخ، والثقافة، والنظام الاجتماعي على الآخرين، أمورٌ تثير الهواجس، والدهشة، والاستغراب.

3- تجاوز الفجوة بين الدول المتقدمة، والدول النامية، والعمل سويّا على تعزيز التنمية، والازدهار، في الدول كافة
ما يستدعي ذلك هو:
تطلّع الدول النامية، الغفيرة، الى مزيد من الموارد والفرص التنمويّة. ضرورة أن يكون لهذه الدول النامية صوتًا مؤثّرًا في الحوكمة الاقتصاديّة العالميّة. على المجتمع الدولي الإيفاء بوعوده وتوفير الدعم الضروري واللازم للدول النامية.
4- العمل سويًّا على مواجهة التحديّات الكونيّة وخلق مستقبل أجمل للبشريّة.
وذلك:
لأنّه من المرجّح ان تتكرّر حالات الطوارئ للصحّة العامّة مثل جائحة فيروس كورونا، وبالتالي من الضروري تعزيز الحوكمة العالميّة للصحة العامّة.الأرض مشتركة ووحيدة للبشريّة، ولن تقدر اي دولة بمفردها حل جميع القضايا العالميّة، التي تواجه البشرية. انها قضايا متشابكة، ومعقّدة، ويحتاج حلّها الى تعدّدية الأطراف، باتجاه السعي نحو مجتمع “المستقبل المشترك للبشريّة”.

تلك هي المهام وأسباب كل مهمّة. فماذا عن الخطوات، والسياسات، والتوجهات، برأي الرئيس شي جينينغ؟.
التمسّك بالانفتاح، بدل الانغلاق والإقصاء، وعدم العودة الى الطريق القديم، طريق الحرب الباردة أو محاولة اشعال حرب باردة جديدة. الانقسام يقود الى المجابهة، والمجابهة تقود الى الطريق المسدود.
العمل سويّا على صيانة السلام والاستقرار في العالم، وبناء اقتصاد عالمي ومنفتح، بدلا من صياغة معايير وقواعد ونظم تمييزيّة وإقصائيّة.
الالتزام بالقانون الدولي والقواعد الدوليّة، وبدون ذلك يذهب العالم الى قانون الغابة.
التشاور والتعاون، بدلًا من التصادم والمجابهة، واحترام التباين والقبول به، وعدم التدخل في شؤون الآخرين، وتسوية الخلافات عبر التشاور والحوار.
اللعبة الصفريّة عفا عليها الزمن، وما تنتظره البشريّة هو التمسك بمفهوم التعاون القائم على المنفعة المتبادلة. في الصين مثل مشهور: ” ليس المهّم لون الهر أبيض أم اأسود، فالمهّم ان يأكل الفأر”.
التغيير حاصل، وعلينا مواكبته بدل رفضه.

ماذا عن الصين في خضمّ هذه المبادئ وهذه الأسس؟.

الصين تدخل مرحلة جديدة للتنمية، وهي سوف تعتمد المفهوم الجديد لهذه التنمية عبر بناء معادلة جديدة، قوامها التفاعل الإيجابي بين الدورة الاقتصاديّة المحليّة والدورة العالميّة. وهي، أي الصين، ستواصل مشاركتها النشطة في التعاون الدولي لمكافحة الجائحة، كما ستواصل سعيها لتحرير التجارة والاستثمار وتسهيلهما، وتعزيز التعاون في بناء الحزام والطريق. سوف تسعى الى تسريع وتيرة تحويل الإنجازات العلميّة والتكنولوجيّة الى قوة انتاجيّة فعليّة.
في سبيل كل ذلك تعمل الصين لإقامة نوع جديد من العلاقات الدوليّة، ففكرة اللعبة الصفريّة، حيث يأخذ الفائز كل شيء ليست من فلسفة الشعب الصيني.
الخلاصة من وجهة نظر الرئيس الصيني: أثبتت التجارب فشل سياسة العمل الإنفرادي، والانعزال المتعجرف. فلمن النصر؟. لمن يحاول تكرار الماضي ببناء امبراطوريّة على دماء الأبرياء وحريّة الأوطان، أم لمن يدعو الى المنفعة المتبادلة، وقبول الآخر، والعيش بعدالة دوليّة وعدالة اجتماعيّة؟. هل قارن أحدنا بين نسب الفقر المتزايدة في الغرب عمومًا، وفي اميركا خصوصًا وتدني هذه النسب في الصين عامًا بعد آخر؟. هل قارننا بين تجارة الصين التي يقبلها العالم بقوّة الاقتصاد لا بالقوة المسلّحة، وبين الحروب الأميركيّة التدميرية على امتداد العالم وداخل المجتمع الاميركي نفسه؟.
التاريخ لا يعيد نفسه، وقوى القهر، والاحتلال، والتدمير، لم تدم ولن تدوم.
بيروت 8/2/2021