استشفاءات شرعية مع الشيخ العاملي

سمعتُ أنكم تقولون بحرمة تعدد الزوجات، وهذا شيء مستغرب، كون النبي تزوّج أكثر من عشرة نساء؟

جواب الشيخ العاملي: من ناحية مبدئية جاء الإسلام ليحد من تعدد الزوجات، لذا لم يجيز الزواج بأكثر من أربع نساء، هذا التشريع لم يأتِ ليرفع عدد الزيجات، بل على العكس، حيث لم يكن هناك سقف لعدد الزوجات، فأراد التشريع الإسلامي وقتها الحد والتقليل من عدد الزوجات؛ لذا تمّ تحريم ما زاد على الأربع.

ثمّ إنّه لكل عصر قيمه وثقافته وأعرافه.. واليوم لم يعد من المستحسن الزواج من أكثر من امرأة انسجاماً مع ثقافة العصر.

كما أنّ الإسلام لم يفرض التعدد، بل أباحه، ولا مانع من حظر المباح، وفي موردنا نحن لا نحظر واجباً أو أمراً عبادياً؛ بل نتصرف ضمن مساحة المباح.

ويُذكر بأنّ تعدد الزوجات مارسه اليهود والمسيحيون قديماً، والإسلام أقره..

وأمّا الأمر الذي يجعل التعدد محرماً بدون أدنى نقاش فهو في مورد الإساءة للزوجة الأولى، وفي مورد تدمير الأسرة، فهذه عناوين ثانوية تجعل المباح حراماً.. ولطالما استلزم التعدد الإساءة للزوجة الأولى، وهو أمر محرم، ناهيك عن ما يحصل بين الأب وأولاده عقب زواج الأب على أمهم؛ فإنّ التفاهم والإنسجام مطلوب بين الأب وأولاده.. وفي كثير من الأحيان تفسد العلاقة نتيجة لجوء الأب لعقد زواج ثان.

لذا؛ وبمعزل عن ضرورة العدالة بين الزوجات، فإنه بالعنوان الثانوي يحرم التعدد في المورد الذي يؤدي للإساءة للزوجة الأولى، وفي مورد تدمير بنيان الأسرة وفساد العلاقة مع الأولاد، أو عند إهمال تربية الأولاد لصالح إنشاء علاقة زوجيّة جديدة.

وقد يُقال بجواز التعدد في موارد أخرى، كما قد يُقال بوجوبه عند الضرورة والحاجة، طبعاً في موارد نادرة ومحدودة..

ولمن يقول بالجواز اعتماداً على كون النبي تزوّج عدداً معيناً.. نقول له: هل يجوز لك أن تتزوّج على عدد زيجات رسول الله؟

آن للمجتمع الإسلامي أن يدرك بأنّ تعدد الزوجات ليس مباحاً بالمطلق، بل يمكنني القول – بضرس قاطع – بأنّ الأعم الأغلب من حالات التعدد هي محرمة.

بالمحصلة، في التشريع الإسلامي هناك حكم “أولي” وهناك حكم “ثانوي”؛ أي يكون للأمر حكماً معيناً في موارد، ويتغير هذا الحكم نتيجة بعض العوامل المحيطة، وهذا ما يسمى “العنوان الثانوي”، فقد يصبح الأمر المباح واجباً، وفي مورد آخر قد يصبح الأمر المباح محرماً، وهكذا.