الدكتور وجيه فانوس
أن يبقى اللبنانيون، لأكثر من سنتين، وهم يمارسون أمورهم المعيشة وقضاياهم السياسية، وكأنهم يقدمون ديكاً تلو الآخر، إلى مباراة لا نهاية لها، في صراع ديكة غير متكافئ ولا متناسب؛ ومع كل ريشة ديك يجري نتفها، ينهار جزء من الاقتصاد الوطني، وتنهدم مداميك القضاء، وتتداعى رفوف المستلزمات الطبية الأساس، وتنكسر عناصر العيش الكريم، وتتلاشى مساحات فرص العمل الشريف؛ ويضيع، في خضم كل هذا، مسؤولون في صحاري اللامسؤولية ويختفون، من ثم، في غياهب اللامحاسبة؛ فهذا لا يكون إلا من أنواع الانتحار الجماعي؛ أو هو من باب الاغتيال المقصود، من بعض اللبنانيين لبعضهم الآخر، عن سابق تصور وتصميم.
إن هذا جميعه، لا يتساوى إلا مع المفاهيم البائدة لتقديم الأضحيات البشرية، في طقوس شهدتها حضارات وحشية موغلة في القدم؛ أو هو أحد ضروب الغباء المجتمعي والقصور العقلي الجمعي، مما قد يعيشه أناس يفرحون بإيلام ذواتهم ويتلذذون بتشويهها.
إنني، إذ أعيذ اللبنانيين، من كل هذه الصفات؛ لا أرى أن الأمر بات يتحمل أي صبر أو مساومة أو تمسك بأمل كاذب أو وعد مخادع.
كفى دجلاً سياسياً ونفاقا وطنيا؛ فالحل المناسب، لن يبدأ إلا بعصيان مدني سياسي؛ تعلق فيه مواد الدستور، لتسقط، بتعليقها، جميع مفاعيل مناصب القيادات الحاكمة المتسلطة، وكل من يجلسون على كراسي هذه المناصب.
يستمد العصيان السياسي، في هذه الحال، شرعيته وميثاقيته من مقدمة الدستور، التي تنص على أن الشعب مصدر السلطات؛ ويتولى سلطته وشعبيته من توافق شعبي وطني جماعي، تديره قوى الشعب النقابية والثقافية والوطنية؛ والتي على قيادتها المسؤولية الوطنية في المبادرة الفورية لتنظيم العمل وتنسيقه في هذا المجال؛ و إنجاز مهامها بما لا يتجاوز الأشهر الثَّلاثة من تاريخِ تكليفها.
تعلق مواد الدستور، لينطلق اللبنانيون جميعهم، من قوة ما في مقدمته وحدها؛ وبعيداً عن أي تفاصيل، قد تتيح لآلاف شياطين التفاصيل اقتحام أسوار الصمود الوطني ومتابعة اقتلاعها من أعماق أسسها.
تدعو مقدمة الدستور إلى الالتزام المباشِر باعتبار إلغاءِ الطَّائفيَّة السِّياسيَّةِ هدفاً وطنيَّاً أساساً؛ وتنص المادة 95، مِن الدستور بحرفيتها؛ بوجوب تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطَّائفيَّة.
ليسرع اللبنانيون إلى إيقاف هذه المأساة المدمرة؛ قبل أن تجد جهات خارجية عديدة، ألف سبب ومسوغ للتدخل في شؤونهم واستغلال أوضاعهم والإفادة من بؤسهم؛ وسيكون كل هذا بحجة السعي إلى إنقاذهم مما هم فيه؛ ولعل كثيراً من هذه الجهات يكاد يكون على أهبة الاستعداد للقيام بهذه المهمة.