د. لويس صليبا
كلمة في لقاء Zoom، الأربعاء 12/8/2020
ما يجمعُنا أنا والدكتور جاك فينيو Jacques Vigne معلّمٌ واحد سوامي فيجاينندا Swami Vijayananda، وهو طبيبٌ فرنسي رحل إلى الهند في الخمسينات من القرن العشرين، بحثاً عن معلّم مستنير. وبعد تفتيشٍ طويل، وما أن التقى حكيمة الهند والأم المغبوطة مآ أنندا مايي Ma Ananda Mayi حتى أدرك لتوّه أنّها من يبحثُ عنه منذ زمنٍ بعيد، ومِن يومها بقي في الهند، ترك كلَّ شيء، وباعَ عيادته بالمراسلة، وتتلمذَ على مآ، وعاش سحابة ستّين عاماً في أديرتها، قضى نحو عشرين سنة منها حبيساً، وفي صمتٍ وتأمل في صومعة ديرٍ ل مآ في الهملايا.
لم يزعم سوامي فيجاينندا يوماً أنّه معلّم، ولا كان يحبّ ما يسمّيه “الفولكلور الهندي” الذي يحيط بالمعلّمين:
Le Yoga n’est pas une adoration de Gourou
اليوغا ليست عبادةَ معلّم، كان يقول ويردّد
وعندما كنّا نبادرُه، ونحن حلقةٌ صغيرة من الباحثين Sadhaks حوله مؤكّدين أنّنا نعتبره معلّماً لنا، كان غالباً ما يجيب
Je ne vous encourage pas, mais je ne vous empẽche pas non plus. Sachez que le maître peut vous montrer la voie, vous aider dans vos difficultés, mais c’est à vous de faire tous les efforts nécessaires pour la traverser.
المعلّم يبيّن لكم الطريق، ويرشدكم في الصعاب، لكن يبقى عليكم أنتم أن تبذلوا الجهد الضروري كي تعبروا بأنفسكم هذه الطريق.
وكان يرى أن العلاقة بين المعلّم والتلميذ هي في الأساس نوعٌ من الصداقة الروحية Amitié Spirituelle، ولأنها كذلك، فهي أسمى العلاقات البشرية، بما في ذلك العلاقات العائلية، إذ لا يشوبها أي نوعٍ من التعلّق، ولا أي نمطٍ من التبعية.
وهكذا كان يلقاني ويرحّب بي بعد غيبة سنة أو أكثر وكأنّنا التقينا أمس البارح.
ومن هنا، واحتراماً لتعليمه ومشيئته، فنحن نكتفي غالباً بحديثٍ مقتضبٍ عنه، ونتحاشى عرض صورةٍ له، كما نتجنّب سائر طقوس التكريم، بل العبادة، التي نراها رائجة في الهند، وفي لبنان كذلك، عند الكثير من الجماعات.
وكان سوامي فيجاينندا يحبّ لبنان، ويسألُني دائماً عنه. وكان كثيراً ما يناديني تحبّباً Le Libanais. وما كان عندي في الغالب شيئاً من الأخبار السارّة عن هذا الوطن الصغير أزفُّها إليه. وأذكرُ اليوم حوراً دار بيننا عن أوضاع لبنان الصعبة كانت خاتمته:
C’est un pays aussi beau que Joseph, Mais aussi triste que son père
هو بلدٌ بجمالِ يوسف، ولكنه بحزنِ أبيه.
وكان دوماً يشجّعني على العودة إلى لبنان والبقاء فيه
C’est un pays qui a besoin d’une spiritualité au-delà des religions, il y en a beaucoup de religions et peu de spiritualité
إنه بلدٌ يحتاج إلى روحانيّة عابرة للأديان، ففيه الكثير من الأديان والطوائف، والقليل من الروحانية.
وتعليم سوامي فيجاينندا كان دائماً مركّزاً على هذه الروحانية العابرة للأديان، وعلى اليوغا القائمة على العلم.
والدكتور جاك فينيو كمعلّمه طبيب فرنسي، وعالِم نفس، وصاحب مؤلّفات وأبحاث علمية عديدة. سافر إلى الهند وعاش سنواتٍ في المحبسة التي عاش فيها معلّمُه وتنسّك، ومقاربتُه لليوغا والتأمل مقاربة علمية وروحية في آن.
علمية، وقد بلغت الأبحاث عن التأمل وفوائده الصحّية والنفسية اليوم أكثر من ستّة آلاف بحثٍ علمي شارك في عددٍ منها. وروحيّة عابرة للأديان فهو يعلّم ما يسمّيه “التأمل العلماني” Méditation Laïque وهو تأمل يستند إلى بحوثٍ علمية ونفسانية، وليس له أي طابع ديني، ولا يستسيغ طقوس إجلال وعبادة المعلّمين، والتي تجعلُ من اليوغا، شئنا أم أبينا، ديناً بديلاً.
تأمّلٌ غير ذي طابع ديني، بيد أنّه في الوقت عينه لا يطرح نفسه بديلاً عن الدين ولا نقيضاً له.
تأملٌ يدمج بين العلاجِ النفسي Psychothérapie وسبرِ الأغوار السحيقة للذهن Mental لتطهير النفس من الترسّبات المتراكمة والتي تتحكّم بها. تأملٌ هو ببساطة أداة نفسية جسدية Psychosomatique يمارسُه المرءُ في منزله ولا يحتاجُ إلى مراكزَ خاصّة أو نوادٍ، وهو يشبّهُه بعملية تنظيفٍ للأسنان بفرشاة. ومثلها فلا آثار ولا عوارض جانبيّة له.
بدأنا العمل في لبنان سويّاً مع د. جاك فينيو منذ نحو عقدين، وتحديداً منذ 2002: محاضرات، محترفات لتعليم اليوغا والتأمل في مختلف المناطق اللبنانية. وفي السنة الماضية وتحديداً في 25 و26 أيار 2019 نظّمنا المؤتمر العلمي الدولي الأول “اليوغا وعلم النفس” Yoga Psy 1 في الجامعة اللبنانية الفرنسية ULF في ديك المحدي وشارك فيه العديد من الأطبّاء والمعالجين النفسانيين ومعلّمي اليوغا، وتبعه محترفٌ لاستخدام اليوغا والتأمل في العلاجات النفسية. ومنعتنا جائحة الكورونا العالمية من عقد المؤتمر الثاني هذا العام. وعسانا نعوّض عنه بدروسٍ كهذه، أو بمؤتمر Online.
«»«»«»«»«»([1])
[1] –