شَاعِرُ العَتَابَا البُوْهِيْمِيّ!

     بِقَلَم: مُورِيس وَدِيع النَجَّار

(سَوانِحُ مع شَاعِرِ العَتَابَا اليَاس النَّجَّار)

النَّجَّارُ شَاعِرٌ زَجَلِيٌّ مَطْبُوْعٌ عَلَى الشِّعْر. يَسْرِي فِي دَمِهِ، مَعَ النَّبَضَاتِ، وَيَجْرِي، عَلَى لِسَانِهِ، كَالغَدِيْرِ المُرَنِّم. وَلا غَرْوَ، فَالزَّجَلُ الرَّاقِي مِنْ نَجْوَى النَّفْسِ، وَمُتَنَفَّسِ الجَوَارِح. وَهُوَ أَقْرَبُ التَّعَابِيْرِ إِلَى القَلْبِ، لِأَنَّهُ طَلِيْقٌ، عَفْوِيٌّ، لا يَلْجُمُهُ صَرْفٌ، وَلا يَكْبَحُهُ نَحْوٌ، وَلا تَسْكُنُهُ هُمُوْمُ البَلاغَةِ، وَهَوَاجِسُ الإِعْرَابِ المُتَجَهِّم. وَقَدْ قَالَهَا الشَّاعِرُ بَدَوِي الجَبَل: «القَلْبُ هُوَ الشَّاعِرُ وَلَيْسَ العَقْل».

عَشِقَ، مِنْ ضُرُوْبِ الزَّجَلِ، العَتَابَا. دَخَلَ إِلَى رِحَابِهَا، يَافِعًا، فَلَمْ يَرْضَ بِصَوْلاتٍ مُتَوَاضِعَةٍ، فِي بَهْوِهَا الخَارِجِيِّ، بَلْ دَخَلَ إِلَى صَدْرِ دِيْوَانِهَا، ثَبْتَ الجَنَانِ، وَاثِقَ الخُطَى، مُلُوْكِيَّ الطَّلَّةِ، فَتَنَازَلَ مَعَ أُمَرَائِهَا، فِي جَوْلاتٍ عِرَاضٍ، مَحمُوْمَةٍ، كَانَ مِنْ حَصَائِلِهَا أَنَّهُ رَكَزَ بُنُوْدَهُ فِي عَرِيْنِ العَتَابَا، وَاستَوَى، عَلَى عَرْشِهَا، مُبَايَعًا مِنْ أَحْكَمِ نُقَّادِهَا، الذَّائِقَةِ الشَعْبِيَّةِ، الَّتِي لا تُهَادِنُ، وَلا تَتَزَلَّف. فَقَضَى عُمْرَهُ يُدَبِّجُ، فِيْهَا، الرَّوَائِعَ، وَيُحَمِّلُهَا كُلَّ أَغْرَاضِ الشِّعْرِ، حَتَّى بَاتَتْ لَصِيْقَةَ اسْمِهِ، فَمَا ذُكِرَتْ إِلاَّ ابْتَدَرَ القَوْمُ ذِكْرَهُ، فَارِسًا قَمِيْنًا، بِهَا، وَمَا أَمَّ مَحْفِلاً إِلاَّ وَكَانَتْ، وَشَمْلَتَهُ، وَعَصَاهُ، أَحَفَّ الرِّفَاقِ، وَأَوْفَاهُم. وَهوَ القَائِلُ:

العَتَابَا مِهِنْتِي، وْشُغْلِي، وْصُنِعْتِي      وَنَا سَيِّد لُهَا.. وْهِيِّه صَانِعْتِي
إِسْمَا مقَيَّدْ بْجَلْحِةْ صَنِعْتِي              كَشِّفْ جَبْهْتِي تْشُوفْ العْتَابْ
                                    («نَجَّار العَتَابَا»؛ ص 60)

قَالَ، فِيْهِ، الشَّاعِرُ سَعِيد عَقل: «بَيْنْ زُعَمَا العَتَابَا، اليَاسْ النَّجَّارْ مَلِكْ».

عَاشَ النَّجَّارُ حَيَاتَهُ لامُبَالِيًا، مُسْتَخِفًّا بِمَا قَدْ يَحْمِلُ لَهُ قَابِلُ الأَيَّامِ، بُوْهِيْمِيًّا، بِامْتِيَازٍ، وَرَحَّالَةً يَجُوْبُ القُرَى، وَيَرُوْدُ الجِبَالَ، وَالسُّهُوْلَ، يُطَارِحُ البَدْوَ، فِي مَضَارِبِهِم، بَسَاطَةَ العَيْشِ، وَهَنَاءَةَ الفِطْرَة.

يُطِلُّ صَبَاحُهُ، فَهُوَ إِلَى عَصَاهُ الأَثِيرَةِ، يَمْشِي، حَيْثُ تَقُوْدُهُ رِجْلاه. فَمَا وَقَعَ عَلَى قَوْمٍ يَتَنَادَمُوْنَ، إِلاَّ وَأَلْحَفُوْا عَلَيْهِ الدَّعْوَةَ، فَيَأْتِيَهُم، مُرْتَاحًا، شَارِبًا، يُبَادِلُهُمُ القِرَى بِالعَتَابَا، وَالمِيْجَانَا، وَالقَفَلاتِ الشَّجِيَّة!

كَانَ النَّجَّارُ ذَا مَوْهِبَةٍ كَبِيْرَةٍ فِي ارْتِجَالِ الشِّعْر. وَهُنَا أَذْكُرُ مَا رَوَاهُ لِي صَدِيْقٌ. قَال: فِي العَام 1969 كُنْتُ، مَعَ صَحْبٍ، فِي نَاحِيَةِ اللَّقْلُوْقِ، نَأْكُلُ، وَنَشْرَبُ الخَمْرَ، وَإِذْ بِالنَّجَّارِ يَمُرُّ مُتَدَرْوِشًا، فَدَعَوْنَاهُ، فَانْضَمَّ إِلَيْنَا شَاكِرًا، مَشْكُوْرَا. وَفِي حُمَيَّا الرَّاحِ، قُلْتُ لَهُ: مِنْ أَيَّامٍ قَلائِلَ أَنْزَلَ الإِنْسَانُ مَرْكَبَةَ «أَبُّوْلُو»(2) عَلَى سَطْحِ القَمَر. أَلَمْ تَسْمَعِ النَّبَأَ؟ فَأَجَابَ: بَلَى؛ أَوَلَسْتُ مِنْ هَذِهِ الأَرْض. قُلْتُ: نُرِيْدُ بَيْتَ عَتَابَا حَوْلَ هَذَا. فَقَال: تَمَهَّلْ يَاصَدِيْقِي، وَدَعْنَا نَنْعَمُ بِالخَمْرَةِ قَلِيْلا. وَمَرَّت دَقَائِقُ، مَعدُوْدَاتٌ، أَحْسَسْتُ، فِيْهَا، بِأَنَّ النَّجَّارَ قَدْ ذَهَلَ عَنَّا. ثُمَّ أَخَذَ كَأْسَهُ، وَقَال:

خَبَرْ رُوَّادْ أَبُّوْلُوْ وَهَنِّي                بْرُجُوْعُنْ بَلَّشْتْ زَلْغِطْ، وَهَنِّي
أَنَا شِفْتْ القَمَرْ كِلُّوْ وَهِنِّي              مَا شَافُوْا مْنِ القَمَرْ غَيْر التّرَاب

يُرْوَى عَنِ الدّكتُور شَارل مَالِك أَنَّهُ عَاتَبَ الشَّاعِرَ، يَوْمًا، عَلَى التَّقْصِيْرِ فِي زِيَارَتِهِ، فَأَجَابَهُ: لَقَدْ مَرَّتْ عَلَيَّ ظُرُوْفٌ مُرَّةٌ، مُتَوَالِيَةٌ، وَأَنشَدَ:

ضَرَبْنِي الدَّهْر بِيْكَفُّوْا تَا عَلَّمْ               بِخَدِّي، وقَالْ: يَا جَاهِلْ! تَعَلَّمْ
عِشِتْ عَمْ لَمْلِمْ هْمُوْمِي.. تَا عَالَّلمّْ         بِرْيُو أْنَامْلِي وِالعَضْم دَابْ
                                    («نَجَّار العَتَابَا»؛ ص 157)

وَصَدَفَ أَنْ كَانَ الدّكتُور فُؤَاد افرَام البُستَانِي حَاضِرًا فَقَالَ لِلشَّاعِر: «تَصَبَّرْ، يَا نَجَّارْ، تَصَبَّرْ! مَنْ يَستَطِيْعُ مُقَارَعَةَ الدَّهْر؟!» فَتَفَكَّرَ النَّجَّارُ قَلِيْلاً وَأَجَاب:

خَايِنْ يَا زَمَانِي إِنْتْ بِا هْلِي            وَنَا صَفَّيْتْ خَصْمَكْ.. إِنْتْبِهْلِي
ضِحِكْلِي وقَالْ: هَدِّي.. إِنْتْ بَهْلِي       أَنَا إِنْ مِلْتْ مَيْلاتِي صْعَاب
                                      («نَجَّار العَتَابَا»؛ ص 158)

كَانَ عَاشِقًا لَجَّاجًا لِلحُرِّيَّةِ، لا يَرْتَضِي عَنْهَا بَدِيْلاً، وَلا يَغُضُّ، فِيْهَا، عَنْ مُسَاوَمَة. وَقَدْ يَكُوْنُ عِشْقُهُ، هَذَا، سَبَبًا رَئِيْسًا فِي عَدَمِ انْتِظَامِهِ فِي عَمَلٍ بُغْيَةَ الكَسْبِ. فَاحْتَمَلَ خُشُوْنَةَ العَيْشِ، فِي حُرِّيَةٍ، وَانطِلاقٍ، عَلَى مَنَاعِمِهِ، تَحْتَ إِمْرَةِ الغَيْرِ، وَاحْتِجَازٍ يَنُمُّ عَنْ انتِظَامٍ رَتِيْب. وَعَاشَ فِي شَظَفٍ مُرٍّ، مُتَشَكِّيًا مِنَ الحَيَاةِ الَّتِي مَا أَنْصَفَتْهُ، عَلَى ظَنِّهِ، فَيَقُوْل:

كَفَا يَا أَرْضْ بِجْمِيْلِكْ تِمِنِّي                  عْلَيِّي.. وْشِبْتْ مَا تْحَقَّقْ تَمَنِّي
وْصِرْتْ عَمْ طُبّْ عَا تْرَابِكْ.. تَا مِنِّي         يِرْجَعْ يَاخُدْ بْتَارُوْا التّرَاب

                                     («نَجَّار العَتَابَا»؛ ص 224)

وَرُغْمَ الأَيَّامِ العِجَافِ الَّتِي حَاقَتْ بِهِ، كَانَ يَأْبَى التَّشَكِّي، أَوْ مَدَّ اليَدِ، وَيَقُوْل:

«بَحرْ هَمِّي أَنَا لوَحْدِي عَبَرْتُو              قِشِعْنِي الصَّبْر.. خَاطَبْنِي بْعَبِرْتُو
خِفْت لا صِيْرْ لِزْمَانِي عِبِرْتُو               نِكِرْتْ الوَيْلْ.. وخْفِيْتْ المْصَابْ

                                            («نَجَّار العَتَابَا»؛ ص 171)

وَلَقَدْ عَمِرَتِ الحِكْمَةُ، فِي شِعْرِهِ، مَشْحُوْنَةً بِخِبْرَةِ الأَيَّامِ الطِّوَالِ، وَالتَّجْوَالِ الدَّائِم. يَقُوْلُ، فِي الصَّدِيْق ِ، مَا قَالَهُ الكَثِيْرُوْنَ، قَبْلَهُ، مِنْ دُوْنِ أَنْ يَسْقُطَ فِي التَّكْرَارِ المَقِيْتِ، وَلَكِن بِإِسْبَاغِ حُلَّةٍ جَمَالِيَّةٍ تُضِيْفُ رَوْنَقًا، وَجِدَّةً، عَلَى القَوْل. نَسْمَعُهُ:

«صَدِيْقْ للِّي مْزَيَّفْ حِيْدْ عَنُّو              بْيِمْشِي مَشْيِةْ البَابُورْ عَالنَّوّْ
مَتَى احْتَاجَكْ عْلَيْكْ يْزِيدْ عَنُّو              وْبَعدْ مَقْضَى الغَرَضْ طَيَّرْ وْغَابْ

                                            («نَجَّار العَتَابَا»؛ ص 177)

وَيَقُوْلُ فِي التَّعَفُّفِ، وَفِي فُرُوْسِيَّةِ التَّعَاطِي، مَعَ جَمَالِ المَرْأَةِ، وَرَهَافَةِ الحُسنِ الأُنثَوِيِّ، وَيَصِحُّ قَوْلُهُ هَذَا، أَيْضًا، فِي مَعْرِضِ الطَّبْعِ عَلَى الأَذِيَّةِ، وَالصَّغَارَة:

«إِللِّي مَرّ عَا الوَرْدِه وْمَشَقْهَا            لَئِيْمْ! وْمَا ابْشَعْ فْعَالُو! وْمَا شَقّهَا
الشَّهمْ بِيْغَارْ عَا لَوْنَا وْمَشْقْهَا،           وْنَدَاهَا، وْالحَلا، وْنَفْحْ الطْيَابْ

                                      («نَجَّار العَتَابَا»؛ ص 197) 

وَنَسْتَذْكِرُ المُتَنَبِّي، فِي قَوْلِهِ المَأْثُوْر:

إِذَا أَنْتَ أَكْرَمْتَ الكَرِيْمَ مَلَكْتَهُ      وَإِنْ أَنْتَ أَكْرَمْتَ اللَّئِيْمَ تَمَرَّدَا

عِنْدَمَا يُنْشِدُ النَّجَّار:

“اللَّئِيمْ بْتِخْسَرُو مَهْمَا كَرَمْتُو               الأَبِي بِيْمُوتْ تَا يحْفَظْ كَرَامْتُو
وْلَوْلا عَا الصَّخْرْ يُغْرُسْ كَرْمْتُو            بْتِرْمِي فَيّْ.. وْبْتِعْمِلْ عِنَبْ

                                        (“نَجَّار العَتَابَا»؛ ص 197)

النَّجَّارُ عَاشِقٌ لِلمَرْأَةِ، عَبِيرُهَا رُوْحُ شِعْرِهِ، وَحُضُوْرُهَا طَاقَةٌ تَشِيْلُ بِهِ إِلَى الأَعْلَى. تُثِيْرُهُ مَحَاسِنُهَا، فَتَجْمَحُ نَفْسُهُ بِوَجْدِهَا، وَتَعْصِفُ فِي خَيَالِهِ الرُّؤَى، فَيَنْهَلُّ شِعْرُهُ، سَلِسًا، هَفَّافًا، مُوْحِيًا، فِي أَنَفَةٍ، وَكِبرٍ، وَتَعَفُّفٍ فِي مُعْظَمِ أَحْيَانِه. يَقُوْل:

مَرَاهِفْ لَحْظِكْ الحَدْبَاءْ تِبْرِي              العْضَامْ.. وْلَمْسْتِكْ لِلْجُرْحْ تِبْرِي
وْبَنَانِكْ حَوَّلُو الحْجَارْ تِبْرِي               وْشِفَافِكْ صَيَّرُو العَلْقَمْ شْرَابْ

                                        («نَجَّار العَتَابَا»؛ ص 137)

يُرْوَى أَنَّ المُطْرِبَةَ المُمَيَّزَةَ صَبَاح طَلَبَتْ مِنَ النَّجَّارِ بَيْتَ عَتَابَا لِتُغَنِّيَهُ، فَأَهْدَاهَا البَيْتَ الآتِي، الَّذِي غَنَّتْهُ، لِلْمَرَّةِ الأُوْلَى، فِي «بِيْسِّينْ عَالَيه»، العَامْ 1954:

عَسَاكِي عَالعَهدْ تِبْقِي وَفِيِّه             تَا مَا يشْمَتُو فِيْكِي.. وَفِيِّي
السَّجْرَه لْمَا إِلاَ تَمْرَه وَفَيِّه              اقْلَعُوْهَا وْرَيّْحُو مِنْهَا التّرَابْ

                                   («نَجَّار العَتَابَا»؛ ص 160)

كَمَا يُرْوَى أَنَّ الشَّاعِرَ التَقَى المُطْرِبَةَ صَبَاح فِي سَهْرَةٍ فِي مَنْزِلِ المُطْرِبِ وَدِيع الصَّافِي؛ وَعِنْدَمَا هَمَّتْ صَبَاحُ بِالذَّهَابِ، لارْتِبَاطِهَا بِمَوْعِدٍ مَا، أَنْشَدَهَا النَّجَّارُ:

دَخِيْلِكْ يَمّْ أَجْمَلْ قَدّْ.. مِيْلِي             وْعَنِّي لا تْمِيْلِي قَدّْ مِيْلِي..
وْمَوْعِد مُلْتَقَاكِي قَدّْمِيْلِي                 تَا أَخِّرْ شَمْسْ عُمْرِي عَا الغْيَابْ

                                         («نَجَّار العَتَابَا»؛ ص 159)

وَتُفِيْدُ الإِشَارَةُ، هُنَا، إِلَى بَيْتِ العَتَابَا الشَّهِيْرِ، للنَّجَّارِ، الَّذِي غَنَّاهُ المُطْرِبُ الكَبِيْرُ وَدِيع الصَّافِي:

يَا قَلْبِي كُلّ مَا جِفْنِي بِكِي.. امْشيْ        صَوْبْ حْبَايْبِي.. اسْأَلْهُم: بِكُمْ شِيْ؟
عَسَاكْ تْعُودْ ومْوَفَّقْ بِكَمْشِه               مِنِ تْرَابْ الْمِشُو عْلَيْهِ الحْبَابْ

                                          («نَجَّار العَتَابَا»؛ ص 300) 

وَالجَدِيْرُ بِالذِّكْرِ أَنَّ الكَثِيْرِيْنَ يَنْسُبُوْنَ هَذَا البَيْتَ، خَطَأً، إِلَى الشَّاعِرِ أَسْعَد سَابَا.

بَاتَتِ العَتَابَا خُبْزًا يَوْمِيًّا لِشَاعِرِنَا، جَوَّابِ الآفَاق ِ، فَتَصَفَّتْ، وَشَفَّتْ، وَجَانَبَتِ الصِّنَاعَةَ، فَتَرَقَّتْ إِلَى مَصَافِّ الفُنُوْنِ اللَّطِيْفَةِ، المُحَبَّبَةِ، فَغَدَتِ الرِّحْلَةُ مَعَهُ حُدَاءً، وَحَنِيْنًا، وَرُؤَى!

إِذَا أَخَذْنَا بِقَوْلِ الأَدِيْبِ مَارُون عَبُّوْد: «الشِّعْرُ فِكْرَةٌ مُوْسِيْقِيَّةٌ تُضَافُ إِلَيْهَا طَرَاوَةُ النَّفْسِ الَّتِي لا يَكُوْنُ الشَّاعِرُ بِدُوْنِهَا»، تَكُوْنُ العَتَابَا الرَّاقِيَةُ شِعْرًا حَقِيْقًا بِالتَّقْدِيْرِ، وَيَكُوْنُ النَّجَّارُ شَاعِرَهَا الَّذِي لَنْ يُنْسَى، طَالَمَا فِي الجَوَانِحِ خَافِقٌ يَتَلَوَّى مَعَ النَّجَاوَى، وَدَفْق ِ الذِّكْرَيَات!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1): المَرْجِعُ الرَّئِيْسُ فِي هَذَا المَبْحَثِ هُوَ الكِتَابُ القَيِّمُ «نَجَّار العَتَابَا»، الَّذِي حَقَّقَهُ الشَّاعِرُ الصَّدِيقُ، أَنطوَان مَالِك طَوْق، بِجُهدٍ مُضْنٍ، مُبَارَكٍ، لِيُخْرِجَ لَنَا نِتَاجَ النَّجَّارِ، أَوْ مَا اسْتَعْصَى عَلَى الضَّيَاعِ مِنْهُ، فِي حُلَّةٍ مُنَقَّحَةٍ، مُبَوَّبَةٍ، غَنِيَّةٍ بِالشُّرُوْحَاتِ، وَالتَّفَاسِيْرِ، تُظْهِرُ عُلُوَّ كَعْبِ صَدِيْقِنَا فِي شُؤُوْنِ الكَلِمَةِ، وَتَلِيْقُ بِشَاعِرِ العَتَابَا الأَوَّل. وَمَا بَسَطْتُهُ، هُنَا، مِنْ هَذَا الشَّاعِرِ المَطْبُوْعِ هُوَ غَيْضٌ مِنْ فَيْضٍ، وَلِلمُسْتَزِيْدِيْنَ لا غُنْيَةَ مِنَ الكِتَابِ الآنِفِ الذِّكْرِ، لأَِنَّهُ المَرْجِعُ الأَوْفَى لِمَنْ تَهُزُّهُ العَتَابَا، وَلِلبَاحِثِيْنَ فِي هَذَا الفَنِّ الرَّقِيْق ِ، فِي زَمَنِنَا الأَعْجَف. 

(2): فِي 20/7/1969 أَنْزَلَ العُلَمَاءُ الأَمِيْرِكِيُّوْنَ أَوَّلَ مَرْكَبَةٍ عَلَى سَطْحِ القَمَر. وَعِنْدَمَا لامَسَتْ قَدَمُهُ القَمَرَ، أَطْلَقَ الرَّائِدُ نِيْل أَرْمِسترُونغْ عِبَارَتَهُ المُشْتَهِرَة: «إِنَّهَا خُطْوَةٌ صَغِيْرَةٌ لإِنْسَانٍ، وَلَكِنَّهَا خُطْوَةٌ عِمْلاقَةٌ لِلإِنْسَانِيَّة».