رَحَلَ الَّذِينَ أُحِبُّهُم…

بِقَلَم: مُورِيس وَدِيع النَجَّار

(يَرحَلُون تِباعًا…

رِفاقُ الدَّربِ، مِنهُم مَن قَضَّهُ العُمرُ المُتْعَبُ، ومِنهُم مَن أَرداهُ وَباءُ الكُورُونا الكاسِحُ…

ونَبقَى، وَراءَهُم، عَينٌ على الأُفُقِ الكالِحِ، وقَلبٌ يَفزَعُ إِلى ذِكرَياتِ الأَيَّامِ الخَوالِي…

وتَستَمِرُّ المَسِيرَة!)

رَحَلَ الَّذِينَ أُحِبُّهُم… فَتَدَرَّعِي(1) بِالصَّبرِ يا نَفسِي، وَلا تَبكِي مَعِي
ذَرَفَت عُيُونِي مِ المَدامِعِ(2) حُرقَةً بَقِيَت تَؤُجُّ وَقَد تَناءَت أَدمُعِي
يا أَطيَبَ الخُلَّانِ عُودُوا كُلَّما هَلَّ الحَنِينُ هُناكَ بَينَ الأَرْبُعِ(3)
طَيْفًا يَجُولُ على الجُفُونِ فَتُزهِرُ ــــــــــ الأَشواقُ في مَرْجٍ نَدِيٍّ مُمْرِعِ(4)
فَالتَّوقُ لَهفَةُ بائِسٍ في أَعيُنٍ، وَحَنِينُ قَلبٍ ضارِعٍ في أَذْرُعِ
خَلَّفتُمُ الحَسَراتِ جَفَّ لُهاثُها، فَمَدَى الجَوارِحِ وَحشَةٌ في بَلْقَعِ
أُوَّاهُ… يا بَرْدَ الحَنايا لَو تَعِي كَم غُصَّةٍ زَرَعُوا بِقَلبِي المُوجَعِ
ما مِن مَعِينٍ بَعدَهُم يَروِي الحَشا، وأَسايَ في ضَرَمِ الجَوارِحِ يَرتَعِي
هل لِلحَنايا أُلفَةٌ بَعدَ النَّوَى؟! هَل تُنعِشُ الأَنفاسَ نارُ الأَضلُعِ؟!
سَيَعُودُ عَهْدٌ كانَ مِن نَوْرِ(5) الرُّبَى حُلْمًا يُلَطِّفُ مِن جِمارِ المَضجَعِ
وَتَظَلُّ صُورَةُ عِشْرَةٍ إِلْفًا على مَرِّ اللَّيالِي في ظَلامِ المَخْدَعِ
دِفْءًا مع الذِّكرَى، وَوَجْدًا طافِرًا، وَنَشِيدَةً خَلْفَ المَدَى وَالمَسْمَعِ(6)!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): تَدَرَّعَ: لَبِسَ الدِّرْعَ
(2): مَدْمَع ج مَدامِع: مَجرَى الدَّمْع
(3): رَبْع ج أَرْبُعِ: المَنزِلُ وَالدَّارُ بِعَينِها
(4): مُمْرِع: خَصِيبٌ، كَثِيرُ العُشْبِ
(5): النَّوْرُ: الزَّهْرُ، أَو الأَبيَضُ مِنهُ
(6): مَسْمَع: مَدَى السَّمْع