آمال البيروتي طربيه
نَقلاً عن صفحة الاب البروفيسور يوسف مونّس..
كتب المؤرِّخ يوسف الخوري على صفحته على الفايسبوك تحت عنوان : حجمكم: “شخطة” قلم رصاص..بيد بطريرك ماروني..!!.
رسالتي الحاضرة موجّهة إلى هؤلاء الذين يَضربون على صدورهم وهم يَصيحون “تيعا تيعا”، وبإعتقادهم أنّهم يُخيفون كلّ من يُخالفهم الرأي، وإلى الذين يَستقوون بالسلاح غير الشرعي وسلاحهم لا يصلح إلّا خردة.
ألّا تقبلوا إلّا بشيعي، من ثنائيكم الحزبي، كوزير للمالية، لا يهمّنا. أن تُطالبوا بالمداورة على مستوى وظائف الفئة الأولى في الدولة، لا يُخيفنا. أن تُعلنوا لبنان “جمهورية إسلاميّة” كما تُخطّطون منذ ثمانينيّات القرن الماضي، قد يحصل ويتحقّق حلمكم رغمًا عنّا. أمّا أن تزَوّروا التاريخ، فهذا لن يمرّ حتّى لو سَحقتم كلّ قلم حرّ.
لا تُصدّقوا الكذب الذي تكذبونه. لبنان ليس وديعة إستعمارية فرنسيّة للموارنة كما تُرَوّجون أخيرًا. أرض كسروان وجبيل ليست أرض المسلمين كما يدّعي سيّدكم حسن نصرالله. ونشأة لبنان الكبير لم تكن خدمة لمشروع إستعماري إحتكاري كما يدّعي مفتيكم الجعفري أحمد قبلان.
هذا الـ لبنان الذي تُمعنون في تَشويه تاريخه خدمة لأمميّتكم الشيعيّة، لم يُعطِ أيًّا من مكوّناته الطائفيّة كما أعطاكم أيّها الشيعة. كنتم من دون قيد فأعطاكم قيد. كنتم من دون كيان فقدَّم لكم وطناً. كنتم متاولة فصَيَّركم شيعة. أمّا أنتم في المقابل، فتآمرتم عليه من دون خجل، وكنتم عالة على الدولة اللبنانيّة عِوض أن تكونوا مواطنين في خدمتها.
قبل زمن المتصرّفية، كان وضعكم أيّها الشيعة أسوأ من وضع الذمّيين، وكنتم تابعين للسنّة داخل السلطنة العثمانيّة، وكنتم من دون هويّة. في الحرب الأهليّة عام 1860، رضيتم بمؤازرة الدروز والأتراك في معركة زحلة، فجأتكم المكافئة في إجتماع الدول الكبرى في القسطنطينية لتسوية المسألة اللبنانية، إذ تَمَّ نوع من الاعتراف الشرعي بكم بدعم من الإنكليز الذين كانوا يَحمون الدروز، ويَودّون التحالف مع أطراف جديدة لإضعاف فرنسا، حليفة الموارنة، في جبل لبنان. أُقِرَّ نظام المتصرّفيّة وأُعطيتم وظائف متواضعة في مجلس إدارة المتصرفيّة.
بعد الحرب العالميّة الأولى، تنافست النُخَب اللبنانية والسورية فيما بينها، بأكثر من سبع خرائط لتقسيم لبنان وسوريا، وأنتم أيُها الشيعة لم يكن لكم أيّ رأيّ في ما كان يَجري. في العام 1919، طالب الوفد اللبناني إلى مؤتمر السلام بباريس، بأن يكون حدّ لبنان الجنوبي ضفة الليطاني، أيّ من دون جبل عامل وصور، ما يعني من دون شيعة جنوب لبنان، إلّا أنّ البطريرك الماروني الياس الحويّك عاد وتقدّم بخريطة جديدة تَضم جبل عامل وصور، بالرغم من نصائح الأمين العام للمفوضيّة الفرنسيّة في لبنان “روبير دو كيه”، ونصائح إميل إده، بعدم توسيع الحدود إستدراكًا لخللٍ ديموغرافي “قد يُفقِد لبنان طابعه المسيحي في أقلّ من خمسين سنة”. فلولا هذا البطريرك الماروني يا شيعة لبنان، كنتم ستُضَمّون إلى سوريا، حيث كنتم ستذوبون كأقليّة لا تتجاوز نِسبتها العدديّة الـ 4 % من مجمل السكّان.
في العام 1926، وُلد الدستور اللبناني الجديد، ومنحكم نظام الانتداب “المتحالف مع الموارنة”، نظامًا جديدًا للأحوال الشخصيّة الخاصة بطائفتكم الشيعيّة. إلّا أنّ إدارة شؤونكم الروحيّة والسياسيّة بقيت تابعة لدار الفتوى السنّية.
أواخر الخمسينيات من القرن العشرين، قرّر شاه إيران مواجهة العروبة “الملحدة” التي يتزعّمها الرئيس جمال عبد الناصر، فأوفد ستة من رجال الدين الإيرانيين لتولّي المهمّة في البلدان التي فيها شيعة في الشرق الوسط وأفريقيا.
كان لبنان من نصيب رجل الدين موسى الصدر الذي باشر بتحرير أبناء طائفته من سطوة الإقطاع الشيعي، ومن ثمّ تحريرهم من دار الفتوى السنّية. ما كان الصدر لينجح لولا إحتضان الساسة الموارنة له ودَعمهم قضيته، خصوصًا أن لبنان في تلك الحقبة كان في ذروة تقدّميته. الرئيس فؤاد شهاب منح الصدر الجنسيّة اللبنانيّة، ما ساعده على توسيع نشاطاته على كامل الأراضي اللبنانيّة. الرئيس شارل الحلو دعم مشروعه إنشاء المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، ومجلس النواب أقرّ قانون إنشائه في ايّار من العام 1969، وخُصِّصت ميزانيّة سنويّة للمحاكم الشرعيّة الشيعيّة من الدولة. هكذا في زمن الموارنة “وديعة الفرنسيين”، كما يَحلو لكم نعتهم اليوم، أصبح لكم حيثية وهويّة دينية أيها المتاولة، وصار إسمكم شيعة. أَوَلم يصرخ يومًا إمامكم الصدر المغيّب: “إسمنا ليس متاولة. فنحن نُدعى رجال الرفض…”؟ سمّوا لي بلدًا واحدًا، غير إيران، أعطاكم ولو اليسير ممّا أعطاكم إيّاه وطن الموارنة.
في المقابل كيف حفظتم الجميل؟!!
أمعنتم في ممارسة التَقيّة على لبنان. عشيّة حرب الـ 1975، كان إمامكم موسى الصدر، يخطب في النهار في الكنائس، وفي الليل يُمَوّل تدريبكم في المخيّمات الفلسطينيّة بإشراف مباشر من الإيرانيين! أنشأ في العلن “حركة المحرومين” لتكون أداته الرئيسيّة لنَهب وسرقة خيرات الدولة! وأنشأ في السِرّ “حركة أمل” التي تَوَلَّت تسليحها وتمويلها منظّمة التحرير الفلسطينيّة! هل لتحرير القدس ومواجهة الناصريّة أنشأ “حركة أمل”؟
لا، بل للانقضاض على الدولة اللبنانيّة وإلحاقها بالأُمَميّة الشيعيّة! أَوَلم يُوَقِّع إتفاقًا سِرّيًا مع ياسر عرفات في 24 حزيران 1975، يقضي بتعاون الأخير على إنشاء أمميّة شيعيّة يكون مقرّها الرئيسي، لمّا تتحقّق، في نيويورك !؟ إمامكم الصدر المُغَيّب أوهَمَكم بأنّكم محرومون وفقراء، بينما الأموال كانت تَتَدفّق عليه من كل حَدبٍ وصوب! من الزكاة كانت تأتيه أموال. ومن الدولة اللبنانية خدمات وأموال. ومن المُعادين للناصريّة دعم وأموال. ومن المراجع الدينيّة في إيران مساعدات وأموال. ومن فتح الفلسطينيّة سلاح وأموال. حتى من ليبيا التي اختطفته وقتلته كانت تأتيه أموال! إلى جانب كل هذه الأموال، كان يَقبض بالسر من “الساڨاك” الإيراني وحده، خمسة ملايين ليرة لبنانيّة سنويًّا !
نحن اليوم نتّهمكم بأنّكم أصبحتم دولةً في داخل الدولة، إنّما في الحقيقة أنتم كذلك منذ سبعينيّات القرن الماضي، وما استُخدِمت الأموال التي كانت تصل موسى الصدر، إلّا لتقوية أذرعَكم، ولتعبروا إلى إعلان جمهوريّتكم الإسلامية العتيدة في لبنان.
في العام 1978، غيّبت ليبيا الإمام الصدر، وإنشقّ عن “حركة أمل” تنظيم “أمل الإسلاميّة” ألمعروف اليوم بميليشيا حزب الله. هذا الحزب لا يَتردّد في الإعلان عن نيّته تحويل لبنان إلى جمهوريّة إسلاميّة، وقد تَشارك في العام 1986 مع أكثر من 60 شخصيّة مسلمة، من بينها قادة سنّة، في وضع دستور هذه الجمهوريّة في طهران. وإذا كان الزعماء الشيعة يُطالبون اليوم عَلنًا، بالمداورة في وظائف الفئة الأولى، فحينذاك، أعطاهم دستورهم الإسلامي المنوّه عنه، الحق بإقالة رئيس الجمهوريّة اللبنانية وقائد الجيش المارونيّين، وبإقالة الحكومة، وبتحويل النظام القضائي اللبناني المدني، إلى نظام إسلامي. فهل من داعٍ بعد كشف تآمركم، يا شيعة الفقيه، أن نوضح لغبطة أبينا البطريرك مار بشارة بطرس الراعي عن سبب بقائكم كميليشيا مسلّحة بعد انتهاء الحرب خلافًا لاتّفاق الطائف؟ هل من داعٍ لكي نشرح أنّكم بقيتم لتكونوا الأداة التخريبيّة بيد حافظ الأسد في لبنان، وذلك بالتواطؤ بينه وبين “الزعيم الأسطورة” رفيق الحريري؟ وهل من داعٍ للتذكير بأنّه بعد وضع القرار 1559 حيّز التنفيذ، تولّت بعض قيادات 14 آذار، لاسيّما فؤاد السنيّورة ووليد جنبلاط، إقناع المجتمعَين العربي والدولي بترك موضوع سلاح حزب الله ليحلّه اللبنانيون بين بعضهم، فبقي السلاح وحَلّت 14 آذار؟ وهل من داعي لتذكير غبطة البطريرك بأن هذا الحزب الإلهي مغطّى منذ العام 2006 من شريحة كبيرة من الموارنة، ومسكوت عنه في أغلب الأحيان من الشريحة المارونيّة الباقية ؟!
لن ينفع الندم بعد الآن. وبعد إستعراض الحقائق التآمرية على لبنان من قبل شيعة الفقيه، لم يعد جائزًا توجيه اللوم والاتهامات الجائرة إلى المطالبين بالإنفصال عن هؤلاء الشيعة، سواء بتقسيم لبنان أو بتحويل نظامه إلى فدرالي.
ويا شيعة الفقيه،
قد يُصبح لبنان لكم من دون أيّ وجهٍ حق إلّا لكونكم اجتهدتم بالغدر طيلة نصف قرن، وأيضًا، لكوننا نحن الموارنة بالتحديد، “مْرِتِّين”، ولا نستحق هذا الـ لبنان الذي أنعم الله علينا به، ولأن بيننا أغبياء جهّال على كلّ المستويات! لكن تذكّروا دومًا، يا شيعة الفقيه، أنّ ما أنتم عليه اليوم، ما كان ليكون لولا “شخطة” قلم رصاص بيد بطريرك ماروني، وسّع بنتيجتها حدود لبنان الكبير لتضمّكم. فعلّقوا هذه الحقيقة حلقة في “ودانكم” إلى أبد الآبدين.
التوقيع: المؤرِّخ يوسف الخوري