في الربعِ الأخير من القرنِ الماضي وتحديداً في العام ١٩٨٦ حصلتْ جريمةُ قتلٍ، ذهبَ ضحيتها شابٌ في ريعان العمر، وكان منفّذو الجريمةِ في حينه من نصّبوا أنفسهمْ حماة أمن المجتمع المسيحي وبقوة الأمرِ الواقعْ ، أدخل السجن عنصر عادي إتهم بالجرم كان قد التحقَ بهمْ منذ فترةٍ وجيزة .
وبدأت القصةُ فصولاً ان استجوبَ الموقوف من قبلِ الضابطةِ العدليةِ وقاضي التحقيق والهيئة الاتهامية ( في جبل لبنان ).
وعلى أثرِ مضْبَطَةِ الاتّهام أحيل المتهمُ موقوفاً أمام محكمة جنايات القتل في بيروت برئاسة القاضي حسن قواص، والمستشارين لبيب زوين والياس الخوري وكان حينَها يمثلُ النيابة العامة القاضي الدكتور منيف حمدان.
وبدأتْ مسيرةُ التحقيقاتِ أمام محكمةِ جناياتْ القتلِ ، مثّل الادّعاء: المحاميان النائبان نصري المعلوف وأوغست باخوس وغيرهما، ومثّل الدفاع: المحاميان كميل فنيانوس وإيلي حنا طربيه.
وللأمانة أقول إنّ المحامي كميل فنيانوس إصطفاني من بينِ كلّ زملائي في المكتبْ وكلّفني متابعة هذا الملفّ حتى لحظةَ النطقِ بالحكم.
وعلى الفور انتقلتُ إلى سجنِ روميه حيث قابلتُ الموقوفَ المتهمَ واختليتُ به لمدّة ساعة ولمرتين متتاليتين ، دّونتُ كلَّ التفاصيل لحظةَ وقوعِ الجريمةِ كما ذكرها الموقوفُ وهو من آل سعادة، والقتيل هو من آل الخازن (إبن شقيق النائب الياس الخازن ).
قبل بدءِ الإستجواب أمام محكمة جنايات القتل في بيروت إنكببتُ على دراسةِ المعلوماتِ المتوافرة في الملفّ كما والمعلومات التي دوّنتها خلال لقائي مع الموقوف ، بحيث كونْتُ الواقعات المتماسكةْ المتسلسلةْ وحينها تأكدّت لي براءةُ الموكل الموقوف.
وفي التاريخ المقرر، بدأ الاستجوابْ، إستجوبَ الموكلْ وكانت أجوبته رصينة متماسكة رغمَ أنّ المحكمةَ والنيابةَ العامة ومحامي الادعاء أمطروهُ بوابلٍ من الأسئلةِ المركزةِ. كيف لا والقتيلُ ابنُ شقيق النائبِ الياس الخازن؟!
وفي جلساتٍ متتالية تمّ استجوابُ شهودِ الحقِ العامْ والدفاعْ والحقِ الشخصي، إلى أن جاء دور سماع إفادة الطبيب الشرعي الدكتور بشارة نفاع.
وقبل سماعِ إفادة الشاهد الطبيب نفاع كنت قد استحصلتُ من مستشفى عجلتونْ على إفادة تؤكّد أنّ إصابةَ القتيل كانت من الأمامِ إلى الوراء ومن أعلى إلى أسفلْ ومن اليمين إلى اليسار.
بينما إفادة الطبيب نفاع جاءت معاكسة تماماً للحقيقة، عندها تقدّم وكيل الدفاع بالإفادة الصادرة عن المستشفى ، رفض وكلاء الإدعاء هذا المستند وأصر الدفاع عليه، حيث تمّ استدعاء من يمثّل مستشفى عجلتون وكان أن أكّد على مضمون الإفادة الصادرة عن المستشفى.
وثابت انّ الموكل كان على يسارِ سيارة القتيلْ وكان قد صُدِمَ ووقع أرضاً قبل حصول الجريمة، حتى أنّه لم يتسنّ له إطلاق النار، والرصاصة القاتلة هي من مسدس ١٤-٩ بينما الموكل كان يحمل سلاح كلاشنكوف.
عيّنت المحكمة موعداً للمرافعة بعد ختام التحقيقات ، كانت مرافعةُ وكلاء الادعاء مدوية وكذلك مرافعةُ الدفاعَ وهنا يذكر وكيل الدفاع مطلع مرافعته بالحرف :
قانون
« حضرة الرئيس، حضرة المستشارين، حضرة ممثل النيابة العامة، لم نحضر اليوم لكي نطلب عدالة أنتم تعطونها بلا سؤال، بل حضرنا لكي نجعل الحقيقة أكثر رسوخاً ووضوحاً فيكون لعدلكم أن يقول الكلمة الفصل.
امامنا اليوم جريمةٌ بضحيتين ، قتيلٌ لا نعرف له قاتلاً ومتَّهم بريء، علينا أن نرفعَ عنهُ الظلمْ حتى لا تشوبَ الحقَ شائبةٌ ويقيني أنّكم تفعلونْ»
ولأنّه في الأيام الخوالي كان القضاء يتمتّع بالعلم والمعرفة والآدمية ولا يتأثّر بأي مراجعة ولم يكُ بحاجة إلى ما يطالب به اليوم من استقلاليّة …
وكان الحكمُ بإعلانِ براءةِ الموكلْ رغم كل محاولات فريق الادعاء ، حيثُ أنّهم فشلوا في إلباس الموكلْ التهمة.