من ذكريات المدرسة/بقلم لويس صليبا
فرير جبيل الصف السادس ب 17 أيار 1974
وقعتُ البارحة في مكتبتي الخاصّة، وفيها ألوف الكتب، على كتابٍ غالٍ طالما بحثتُ عنه، كتابٌ صغير سَهُلَ أن يضيع بين هذه الألوف. وهو يعود إلى أيام المدرسة في السنة الأولى من المرحلة التكميلية: مدرسة الإخوة المريميين جبيل. والتي كنا نعرفها ولا نزال بمدرسة فرير جبيل. الصف السادس B للعام الدراسي 1973-1974. يومها أقام أستاذنا في مادة اللغة العربية جان الديك مباراة في الإلقاء بين التلامذة، على أن يُعطى الفائزون بالمباراة جوائز هي كتب جمع التلامذة أنفسهم ثمنها وكلّفوا الأستاذ شراءها. وقد دوّن الأستاذ جان الديك على صفحة العنوان في الكتاب الإهداء التالي:
تقدمة تشجيع من تلامذة الصف السادس B إلى رفيقهم وصديقهم التلميذ النشيط لويس صليبا بمناسبة تفوّقه في مباراة الإلقاء بإشراف أستاذنا جان الديك.
دائماً إلى الأمام أيها الصديق النشيط
جبيل في 17/5/1974
التوقيع: جان الديك
وفي صفحة تالية أسماء وتواقيع كل تلامذة الصف السادس B (مدرسة فرير جبيل للعام الدراسي 1973-1974) 42 توقيعاً، عرفتُ معظم أسماء أصحاب التواقيع، وهم بحسب توالي توقيعاتهم وطبقاً لما جاء فيها:
1-السيد قزحيا باسيل، 2-طانيوس طنوس، 3-برجيس نصر، 4-طوني قسطنطين، 5-وليد بشارة، 6-بسام شديد، 7-مارون دكاش، 8-أنطوان قزّي، 9-جبران حويك، 10-جورج مرهج، 11-زخيا باسيل، 12-إدمون بومرعب، 13-كسرى الهاشم، 14-متى سعادة، 15-داني قدّوم، 16-…..Kouba، 17-وليد نار، 18-جاك كماتو، 19-طوني راعي، 20-بشارة مونس، 21-إيلي قزي، 22-ناجي قدّوم، 23-جوزف قوبا، 24-أسبت خوك تميان، 25-شارل معنّق، 26-غسان غانم، 27-نديم فرحات، 28-الياس جعارة، 29-أنطوان عبّود، 30-فرنسيس قزي، 31-أنطوان الدكاش، 32-رفيق مارون، 33-فريد سركيس، 34-جان خوري، 35-سليم مراد، 36-سيمون سعيد، 37-حبيب بواري، 38-ألبير جعجع، 39-رولان الحاج، 40-مروان اللقيس، 41-فادي سعيد، 42-كمال ميشال صفير.
بعضهم كتب اسمه ووقّع، وبعضهم الآخر اكتفى بالتوقيع، وعساني لم أخطئ في تفكيك عددٍ من التواقيع الصعبة.
ولا أزال أذكر إلى اليوم النص الذي تبارينا على إلقائه. اختار لنا يومها أستاذنا جان الديك مقالة نثرية من كتاب القراءة: الرائد في القراءة، منشورات دار الشمال (للصفّ السادس)، وليتني أحصل على نسخة من هذا الكتاب كي أستذكر كامل هذا النص. أما صاحب النصّ، فجاء في الكتاب، على ما أذكر، أنه: “كاتب مجهول من عصر النهضة”.
وما لا أزال أذكره من النصّ الذي تبارينا على إلقائه هو التالي:
“إن محبّة الوطن لا تقوم بالكلام بل بالأعمال، فالكلمات تلوكها الأفواه، ثمّ تتطاير في الهواء، وقلّما يبقى لها أثر. أما الأعمال فهي الدليل الساطع على محبّة الوطن محبّة صادقة لا تشوبها شائبة.
ومنشأ هذه الأعمال عاطفة في القلب تسري في الجوارح مع الدم فتحمل صاحبها على أن يفتدي وطنه بكلّ غالٍ ونفيس”
هذا ما أذكره من ذاك النص الطويل الذي بلغ صفحتين كاملتين من كتاب “الرائد في القراءة” للصف الأول تكميلي.
كان أستاذنا جان الديك (1933-2014) ( ) رحمه الله، يركّز دوماً في دروسه على الوطنية ووجوب محبّة الوطن محبة فعلية تتجسّد بالأعمال، ولا تقتصر على الكلمات الرنّانة الطنّانة. ولذلك اختار هذا النصّ تحديداً كي نتبارى على إلقائه.
ولا يزال لهذا النص الذي عمره أكثر من قرنٍ ونصف راهنيّته وآنيّته. أفليست محبّتنا لوطننا من النوع الذي وصفه الكاتب وشجبه: كلمات تلوكها الأفواه، ثم تتطاير في الهواء، وقلّما يبقى لها أثر”
والدليل على أنّنا هكذا أحببنا لبنان ولا نزال الوضع المذري والبائس الذي وصلنا اليوم إليه. ومن منّا يحبّ وطنه لدرجة يؤثره فيها على جيبه ومصلحته الشخصيّة؟!
كلّنا بلغاء وفقهاء عند الحديث عن حبّ الوطن، وعند محكّ التجربة فمحبّتنا الفعلية متّجهة هي بالأحرى نحو الذات والأنا، وقلّما تتخطّى الحيّز الشخصي والعائلي أي الدائرة الصغرى لا أكثر. وعندما يرتسم الخيار بين المصلحة الفردية والعامّة، فلا نتردّد غالباً في اختيار الأولى!
وما “أشطرنا” بالهروب والقفز نحو المطار كي نستقلّ أوّل طائرة متاحة تقلّنا إلى الخارج. أمّا المواجهة فنادراً ما ترد في قاموسنا. “من يهرب من المعاناة، يهرب نحو المعاناة” يقول أحد الحكماء
Celui qui fuit la souffrance fuit vers la souffrance
أياً يكن فهي مجرّد وقفة تذكارٍ لأيامٍ جميلة مضت.
تربّينا على حبّ الوطن، وليت تلك التربية فعلت فعلها في النفوس، ولم تبقَ مجرّد حبرٍ في النصوص…
QJCSTB
جبيل، الأحد
28/11/2021«»«»«»«»«»( )