بحث للدكتور ميشال كعدي
أتحاشى الغوص في عمق مسافاته الشمول وقد تحسبه على حبل تفكيرك دونه القمحة، على أنّني أدرك امتداده على متن القرون وعظمة، أخاف الوقوع في تجربتها، فتنتهي إذاك كلمات قبل أن أبدأ وأنا العجلان لنيل مثوبة…
فإن أنت اختصرت عطايا الله وكفاية مترعة قبل أن تدلي به وإن صورت التفاريق اتهموك أو اقتصرت على واقعات جزت خلالها أودية الظّن، أنكروا عليك عالية العلم، وخدروا منك رواسي الأدب.
ما تراك قادرًا وما برئت من لوم؟
فإن لم يكُن من زمامٍ لحالكَ، هانَ إعذارٌ وتاهَ عزمٌ. تَخطيتُ بعضَ الحوائلِ وما غابَ عنّي اعتدال، فإنّي قبلَ اليوم كنتُ آخذًا بالفِقه الإسلامي فتناولتهُ مادّةً دسمةً ودعمًا لمعلوماتٍ أردتُها أن تحرِّك جوانب مهمّة كالمرأة والإسلام.
إذا قرأتَ لمؤرخين كبار ورجال دين كالعلاّمة الشّيخ عبد الله العلايلي، وفقهاء الأزهَر فتبقى غادة الخرسا الأديبة والشّاعرة هي الأخرى مثابةً للشارِحينَ، وعاملةً بامتيازِ في تبيان الرّأيْ وقد عدّلت على ريشتها جوانب صرخات الحقّ، وبالمكنونِ وقعُ صدى له في أبعادِ العَصرِ ملامةٌ، أمّا الاختراقُ فتجاوز الأنثى لتستبدلَ السآمة بالبهجَة ونقاء الصَحيفة.
من حقٍّ المرأة أن تُدافع عن كيانِها وأن تفتّش عن دورٍ في سميح دينٍ، من عطاءاته الفِكرُ والنِظام والحقّ.
طَوافٌ رصين
في كتابها المرأة والإسلام، كانت الباحثة غادة موضوعية ببسطِ الحقائق والعودةِ إلى القرآن الكريم، فتستوقفك وهي طوافٍ رصينٍ لتقرأَ عليك من سورةِ البقرة والأعراف وطَهَ: كأنّها تريد منكَ أن تقفَ شاهدًا على ظَلامةً وقهرٍ. بقدرةِ العروفِ الّتي تطلق بعيدًا بالهدف الإنساني. تكتب ثمّ تتابع طريقها حاملة همّ المرأة في أسفارها، على أنّها تذهب موغلة في التحليل على كثير من روحانيّة دون تعصّب، وعلى تماسك وانسجام غير منفصلين.
وتنفحك بآية من صلب الكتاب إنّها حقيقة من جدال:
«وقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنّةَ وكُلا مِنْها رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُما ولا تَقْرَبا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكونا مِنَ الظّالِمينَ، فَأَزَلَّهُما الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمّا كانا فيهِ»
على رغم الجدل الحاصل حول الخطيئة الأصلية الّتي كانت وراءه حواء، الإسلام ساوى بين الإنسانية الأولين وبرّأ حفيدات حواء من الخطيئة الأولى. ولم تشر الآيات البيّنات بإغراء كانت وراءه حواء أو عصيان ضدّ الله، فاقرأ بالإضافة إلى سورةِ البقرة سورة الأعراف:
«ويا آدَمُ اسْكُنْ أَنْْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما ولا تَقْرَبا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكونا مِنَ الظّالِمينَ، فَوَسْوَسَ لَهُما الشَّيْطانُ لِيُبْدي لَهُما ما وُرِيَ عَنْهُُما مِنْ سَوْءاتِهِما وقالَ ما نَهاكُما ربُّكُما عَن هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاّ أَنْ تَكونا مَلَكَيْنِ أو تَكونا من الخالِدينَ.
كما في سورة الأعراف كذلك في سورة طه.
الاقتِناعُ والتنوُّع
الأديبَةُ والباحِثَةُ غادة الخَرسا، عبر استطراداتٍ متنوّعةٍ بقصدِ الاقتناعِ والتنوّعِ لا تتّهِم ولا تحقِد في موسوعَتِها، إنّما أرادت إظهارِ واقعٍ معيشيٍ وعرف مسألة إنسانية مهمة، وألاّ يبقى في الإسلام شائبةٌ ومذهب ناقِص، ولا يجوزُ بمكان أن يدرّس مجزأً أو يؤخَذ نتفًا وآراءَ بعيدةً عن إنسانٍ ومجتمعٍ عضوي متكامِل في الأنسنة.
في ما يلي نصوصٌ تثبتُ في القرآن صحّة ما جاء في (المرأة والإسلام).
«يا أيُّها النّاسُ اتَّقوا رَبَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ»
إنَّما المُؤْمِنونَ إِخْوةٌ»
«اعْمَلوا فَسَيَرى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسولُهُ والمُؤْمِنونَ»
وثمّة تخصّص في حقوق المرأة هذه بعض الآيات:
«ولَهُنَّ مِثْلُ الَّذي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْروفِ»
«لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجًا لِتَسْكُنوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَة.»
النّساء شقائق الرّجال
تلكم ثوابت مجتمعية تجعل من الإنسان الذّكر ناقصًا بدون المرأة، والمجتمع البشري هو كالطّائر لا يمكن أن ينهض بجناح واحد، وفي الأحاديث النبويّة وردت إشارات كثيرة ككلمة (شقائق) الّتي تعني النّصف المساوي للشّق اﻵخر .
كشف الصّواب
لعلّ القصد عند أديبتنا غادة الخرسا كشف الصّواب وتنزع الظّلم عن المرأة بصورة عامة وبالأخلاص المسلمة، وهو ما تهدف إليه وقد سبقها رواد كبار تذكر منهم قاسم أمين، وقدرية حسين، وغيرهما: أعطوا للمرأة حقّها المدني والرّوحي، متبينين مقامها في الإسلام المساوي للرّجال.
روافد الأديان
في أي حال، نعترف بجرأة أديبتنا لأنّها خاضت في موضوع، يعتبره بعض التقليديين مسدودًا، وكتبت في أول موسوعة عن المرأة العربية عبر العصور، هزت روافد الأذهان، وأشعلت قدائح محنطة لتظهر في على أنّ ((النّساء شقائق الرّجال)) وأرادت للإسلام وضعًا صحيحًا. أمّا النهج فيكون بتثبيت الصّورة والملامح الواضحة للمرأة في الإسلام.
غادة الخرسا رفضت في حياتها الطّائفية والانفلات والتهّورَ والحريةَ العَشوائيّة، رفضَت أيضًا التّقاليدَ البالية الّتي من شأنها إذلالَ المرأةِ، سيّما الرّسول العَربيّ أرادَ تعليمَها ورفعَ معنوياتِها.
إنطلاقًا من هذه النقطة، تدحض مزاعمَ الرّجال الّذين يريدون تكبيلها، رادةً بما أتاهُ الإسلام تجاهَ المرأة، ثمّ تنتقِلُ إلى واقعِ الحقِّ الَنسوي في العَصرِ الحديث، على كثير من براعةِ السياقِ والاجتهادات.
وتفرّد في كتبها المرأة والإسلام، بعض الصّفحات لتسمية نساء مسلمات لعبن دور البطولة العقلية خلال فترات إسلاميّة طويلة مثال خديجة بنت خويلد، عائشة بنت الصّديق، زينب خديجة، وغيرهنّ…
لم تنسَ باحِثَتنا أن تقارنَ بين المرأةِ العربيّةِ قديمًا والمرأة العربيّة المعاصِرة، وقد جالت في مصر، ليبيا، سوريا، والأردن ودول الخليج، حيث للمرأة نصيبٌ كبير في المناصِب والمسوؤلياتِ الّتي حقّقَت تفوقًا في مجالاتٍ شتّى.
مقارنةٌ بين الغربيّة والشرقيّة:
إذن الكتاب الموسوعة يؤكّد أن لا حريّة لمجتمع يعيش بنصف واحد، أي بحرية الرّجل دون المرأة، وإنّما الحُريَّةُ الهادِفَةُ مَرهونَةٌ بِحُرْيَّةِ المُجْتَمَع المُتَمثِّل بالرّجل والمرأة العامِلَيْن معًا .
ومن قناة المرأة الغربية، تغمزُ أديبتنا إلى ما تَوَصَّلَت إليه مُبَيِّنَة أنَّ نظيرتَها المُسْلِمَةَ مَنَحَتْها الشَّريعة الإسلاميّة ما لم تُحَقِّقهُ المرأة الغربية.
ليست المرأةُ عبدةً إلا لِخالِقها
يتأكَّد لنا أنَّ أديبتنا مقتنعةٌ بِما تَقول، وقَد كَتَبَت الشِّعرَ والنثرَ وناقَشَت مُشكلَةَ المَرأَة وعَمَلَت في
السِّياسَة وتَرَأَسَت (رابِطة العمل الاجتماعي لصالِح لبنان الجنوبيّ، وغذّتها مالِيًّا وحَضارِيًا، عن طَريق أسفارِها إلى القارات الخَمس).
يُلاحظ خلال طرحها موضوع الكتاب الموسوعة مدى حمايتها لحقوقِ المرأة فتستحضِر حافِظ إبراهيم وقاسم أمين وغيرهما.
بلى، نجحَت غادة الخرسا في موسوعَتِها بجزئَيْن (المرأة والإسلام) وحقَّقَت غاياتٍ كَثيرةً، مركزةً على مفاهيمَ أرادوا بها تسويةَ منطقٍ جاءَ به الإسلام ليرفَع من قيمة الأنثى .
… يا غادة: المفكّرة، الباحثة، المبدعة والصّديقة:
فرحنا بك أن تنهضي وتكمّلي نشر مدنية صحيحة، تبذر الفضائل .
أمّا النساء في الإسلام، فحسبهنّ معك نجاة من تخلف، وإن لاح الأفق ظنّ لم تزل فيه خطيئة بحق الشرع .