العلاّمة السيّد محمّد حسَن الأمين يُعلن : نعم غادة الخرسا قد رأت المَسيح الحلقة الاولى

الأديبة الكاتبة غادة الخرسا

لعلّ مشكلة العَصر تكمُنُ في إهمالِ الحَياة الروحيّة من قِبَل وسائل الإعلام، أللّهُمَ إلّا في برامج شبهِ نادرةٍ، وأقربِ إلى السطحيّةِ منها إلى العُمقِ الرُّوحيّ.
وهناك مثَلٌ ظهرَ واضِحَاً من خلالِ تَجاهُل وسائلِ الإعلام: «الحدث الأعظم… رأيتُ المسيح» للمفكّرة والشاعرة ورئيسة التحرير غادة الخرسا.
لهذا قرّرنا التعويضَ عن هذا النقصِ الروحيّ، بنشر الكتاب على حلقات في مجلّة غادة. ويَسُرُّنا أن نبدأ بنَشرِ مقدِّمة العَلّامة السيّد محمّد حسَن الأمين:

يَحلو لي أن أعيدَ ما سبقَ وكتبتْ ابنَتي الحبيبة المرحومة إيمان على صفحةِ كتابي «إشراقات» واليومَ أُعيد نشره في كتابي «رأيتُ المَسيح» لِما لهذه الكلمات من أثر في قلبي وذكرى باقية لا تموت.
وهل صحيح أن إيمان انتقَلَتْ إلى دارِ الحقّ؟ لا! فالحُبُّ أقوى من الموت. كلُّ همسةٍ أو لفتَةٍ أو كلمةٍ منكِ تحيا فيَّ وستَبقى.
لنقرأ كلمات الغائبة الحاضرَة، دائمةً في خَلَدي إيمان:

أمّي
شامخةً بثباتِها كجبالِ لبنان
قَويّةً بجُرأةِ حقيقتِها كعفويّةِ اللّبنانيّ
وإذا تَحلّيتَ بهبةِ التحرُّرِ تستَشرِفُ بينَ سُطورِها
روحًا تخترِقُ السّماوات
أفكارُكِ يا أمّي مِثلُكِ
فوراء سرِّ قوتكِ تَكمنُ عاطفةٌ متأجّجةٌ بالحنان
منبعُها الحُبُّ اللامتناهي
إنّ مِشعَلَكِ المتوهِّجَ يقودُ خُطواتي
وبديعَ خِصالِكِ يَتَنامى في أضلُعي
وسأحمِلهُ باعتزازٍ معي طولَ الأمد!

إبنتُكِ إيمان

تعريف

في أديمِ الأرضِ مَنْ أنا؟
تُراها صُدقةً أن تتمثَّلَ فيَّ الدِّيانتانِ السَّماويتان، وانْتِمائي إلى سائِرِ المناطقِ اللُّبنانيّةِ، أرضًا وعائلاتٍ؟
والدَتي سيسيليا يونس تَنحدِرُ من جبل لبنانَ الشامخ تنّورين- فيما والدي مصطفى الخرسا يَعودُ تجذُّرُهُ إلى بيروتَ العريقةِ: مكان وِلادَتي وترعرُعي، والتِقائي صديقَهُ، رجلَ الجنوبِ الأبيّ كامِل الأسعَد رئيس مجلس النّواب لمدة عشرين سنة، ليتمَّ زواجي به، ويُثمرَ أولادي الثّلاثة…

أُترك كلَّ شيء
عَبْرَ زوجٍ ذي نفوذٍ شعبيٍّ وسياسيٍّ كبيريْن، بَلغتُ، إلى مرحلةٍ غير قصيرةٍ، أقصى ما يمكنُ التطّلعُ إليهِ من طموحاتٍ، كلَّلَتْها ما رفرفَ في جنّتنا الزوجيّةِ من حبٍّ جارفٍ: إلاّ أنّهُ، كان مُقدَّرًا لي الانسلاخُ عنها جميعًا!

أرضُ الكِنانَة

في مِصرَ، أَمْضَيْتُ أهوالَ سِنِيِّ حربِ لبنان: يُخيَّلُ إليَّ أن الله سمَح بها تَطهيرًا لشعبهِ من آثامِ إغراقهِ في دناءةِ المادِّيةِ والتَعصُّبِ البَغيض…
في أرض الكِنانةِ، بين معالمِ الحَضاراتِ الكُبرى، الّتي تضجُّ بها تلك الأُمَّةُ العريقةُ تاريخًا وشعبًا، حَظيْتُ لمدارِ سنواتٍ على يدِ الأبونا الرّهِب القُبطي- بجُرُعاتٍ مكثَّفةٍ من علومِ الإلهياتِ، وسْطَ «جماعةٍ تعلّقتُ بمحبَّتِهم، عوّضوا لي مرارةَ اغترابي عن الأهل والوَطن، ولمّا حانَ وقتُ انسِلاخي عنهُم ولجتُ آتونَ عذاباتٍ بلا هَوادةٍ:
أحسستُني أُذبَحُ وأُسلخُ، فتلوّيتُ ألمًا، من بليغِ جراحاتٍ نازفةٍ هَيْهات أن تَندَمِل!».

نعم غادة الخرسا قد رأت المَسيح!

1. الحدثُ الأوّل:
«آن وُلدَتْ غادة شعَّ نورٌ»
لطالما روَت أمّي، رحمَها الله، على مسمعٍ منّي وأمام الكثيرين حادثةً ولا أعجب:
«لحظةَ ولَّدْتُ غادة، جَفَّلني صُراخُ الدايَة الـمنمّ عن انبهارٍ مُنقطعِ النّظير: يا إلهي، ما هذا النورُ السّاطعُ الذي رافقَ إطلالةَ الطِفلة!»
وتُردفُ أمّي بصوتٍ مُتهدِّجٍ تشوبهُ الرّهبةُ فيما تؤكّدُ أحقيّةَ إعلانِها بعلامةِ الصّليب «بسم الآب والابن والرّوح القدس: «لدنُ صُراخ الدايةِ! بفَتحي عينيّ، بَهرني نورٌ يَشعُّ في أرجاءِ الغُرفة».
ندمي على ما واجَهْتُ بهِ أمّي من ارتيابٍ وصدٍّ…
بعد أن مَنَّ عليَّ المسيح، بظُهورِه، تَبِعَتها تعاملاتُه الحثيثةُ، أراني نادمةً على ما كنتُ أجابِهُ به أمِّي، من ارتيابٍ وصدٍّ، كلَّ مرّةٍ تذكرُ فيها حدثَ ولادتي، مستنِدةً إلى قَوْلِه تعالى: «إنّني اخترتُكِ مِنَ الرّحِم».

2. الحدثُ الثاني:
حمامَةٌ بيضاءُ تحُطُّ على رأسي!
تُراني أنسى في حفلةِ زِفافي، ووسْطَ انذهالِ مئاتِ المدعوّين، رفرفَةَ حمامةٍ بيضاءَ وحطَّها على رأسي، ما أبهجَ الجَميع، وحفّزهُم على التّصفيقِ الحادّ!
مع استقرارِ الحَمامةِ، أتعبني ثِقلُ وزنِها على رأسي، وإذ هزَزتُه لأقصيها، بارحَتهُ برهةً ثمّ ما لبثَت أن عادت تحطُّ على رأسي من دونِ سواه… اللّافِتُ تكرارُها فِعْلَتها ثلاث مرّاتٍ، مُحلّقةً بعدها صوبَ البحر!

3. الحدث الثالث:
اختباري الانعتاقَ من جسدي
يومَ التقيتُ صديقَيْنِ، حَصّلا دِراسَتَهما الجامعيّةَ والدكتوراه في أميركا، بسؤالِهما بعد التّحية والأشواق عن تخصُّصهما أفاداني:
• العلومُ البارابسيكولوجيّة Parapsychologie
• ما هدفُ هذه العلوم ِ الجديدة؟
• هدفُها: هديُ الإنسان إلى طريقةِ حياةٍ تتمُّ خلالَ خَطَّيْن متوازيَين: المادّةُ والروحُ.
بقدر ما يُبرهن الطالبُ عن أهليّتِه للاستيعاب، يتقدّم مُزيلاً من أمامِه، زيْفَ الستارة، لتتّضحَ له قوّةُ الحقيقةِ التي تُعطيه من قلبِها بعد أن باتَ من قلبِه يُعطيها».
• هل أفهم أنّ هذه العلوم، تصيّرُ من يأخذ بها مُحاطًا بقوى خفيّة؟
– هذه العلومُ تصيِّرُ سائرَها، يتخطّى الأشياءَ إلى جذورٍ لا منظورةٍ تُتيحُ السّيطرةَ على الـمَنظور.
الأنا الجزئيّةُ وانصِهارُها في الأنا الكُليّة
ملتقطةً بتركيزٍ شغوفٍ، كلّ معنَى وشَرح، باستلامي دفّةَ الحديث، مستطلعةً الصّديقَين عن ماهيَّةِ الذّبذباتِ الروحيّة: بادرَ أحدُهُما مُبينًا:
إنّما الذّبذبات الصرفة روحانيّة، لا توجدُ في أي مكانٍ من المحيطِ الأرضيّ، لكن في غلافِ الفَضاءِ الكَونيّ الخارجيّ.

وهي إمّا قوّةٌ خيِّرةٌ خَلاّقةٌ وإمّا شريرةٌ مدمّرةٌ.
لدن انعِطافي في الحديثِ نحوَ الازدواجيّة في الإنسان، انبرَى شارحًا:
• بمفهوم العُلومِ البارابسيكولوجيّة، الازدواجيّة في الإنسان تعني ما يكتنهُه من تناقضاتٍ: الجسدُ والروح، الإيجابيّاتُ والسلبيّاتُ، المحبّةُ والبغض، المعرفةُ والجهل… هذا، إضافةً إلى ازدواجيّةِ الحيوان في الإنسانِ والإنسان في الإله، – الأنا الجزئيّة في الأنا الكُليّة: لأنّ مصيرَ الإنسان عودَتُه إلى خالقِهِ روحًا لألاءةً.
حذارِ من لفتةٍ أو حركة!
بغتةً رأيتُني أُشاهدُ من الأعلى ثلاثَتنا: الصَّديقَين وأنا جالِسَينِ كلٌّ في مِقْعده!
لم يُنبّهني إلى خطورةِ الموقف إلّا صوتُ أحدِهما الخافِتُ مُحذِّرًا: «إيّاك بأيّة حركةٍ أو لفتةٍ تُجفّلُها!
أدركتُ عند ذاك مفارقَتي لجسدي الهامِد بلا حراكٍ في المقعد، الأمرُ الذي حفَّزَني للسّعي بكلّ ما أُوتيتُ من قوّةٍ إلى عودةِ ولوجي فيه: بعد طولِ مشاقٍ رافقتْها آلامٌ مبرّحةٌ، أكثر من آلام ِ الـمَخاض، أُعِدتُ بجهدٍ جهيدٍ إلى جسدي!

«الحمد لله على عودَتِكِ إلينا»
بعودَتي إلى جسدي، بجوارِ الصَّديقَين، لبِثا مطأطأي الرأس. غير نابسَين ببنْتِ شفةٍ، فيما المكانُ غارقٌ في صمتٍ مهيبٍ… حالما التقطتُ أنفاسي، التفتُّ إليهما فبادرتُهُما: «إنّي في غايةِ الإنهاك».
بتفوّهي هذا، حدّق فيّ الصّديقان، والبهجةُ تكسو وَجْهَيْهِما، معبّرين معًا: «الحمدُ لله على عودَتكِ إلينا».
وعلّق أحدهما «مردُّ إنهاككِ يعودُ إلى عمليّة انسلاخِكِ عن جسدِكِ ثمّ جُهدكِ الـمُضني لعودَةِ ولوجِك فيه».
ببالغِ تأثُّر قلتُ: «ما خُضْتُه أبعدُ من مفهومي أو تصوّري، أحتاجُ إلى بعضِ شرح!»

الينبوعُ – المصدَرُ
انبرَى الآخرُ مُستلمًا دفّةَ الحديثِ بعد أخذِه نَفَسًا عميقًا:
في علوم البارابسيكولوجيا، يُطلقُ على ما اختبرته، موهبةُ الانعتاق من الجسد، «السّواح» وتعدُّ موهبةً نادرةً، تؤهّلُ صاحِبَها لتَخطّي حواجزِ المكانِ والزّمان، رافِعةً عن بصيرتِه الستارةَ الحاجبَة، لتصيّرَه روحًا مغبوطةً، تَنهلُ مباشرةً من رَحيقِ الخلود.

4. الحَدَثُ الرّابع:
اختراقي شفافيةَ أبعادٍ، ومُثولي أمامَ دَيْنونَتي
خلال سِنيِّ إقامَتي في مِصرَ، تمَّ الرأيُ مع بعضِ الأصدقاءِ على تَمضيَةِ أعيادِ شمِّ النّسيم في الإسكندرية. سلكنا الطّريقَ الصَّحراويَّةَ كونَها أقصرَ مسافةً، وُغمَ أنّها غيرُ مأهولةٍ، ما يُعرَضُ عابِريها إذا ما واجَهتهُم مُشكلةٌ، إلى التَعثُّرِ في إيجاد من يُساعدِهُم!
لا، ليسَ الآنَ أَرْحَلُ عَنِ الأرضِ!
ها الشَّمسُ تُسدِلُ آخِرَ خُيوطِها، الهَواءُ الرَّمليّ يَملأُ صُدورنا، ما ساهَمَ في جعلِ النّعاسِ يُداعِبُ جُفونَنا!
يا إلهي! ما هذه اللّطماتُ والكدَماتُ الّتي أتلقاها مِن كلِّ صَوْبٍ؟ السيّارةُ تنقلبُ، مُلتفّةٌ على نفسها رأسًا على عقِب، مرّةً واثنتين، ثمّ وفي ما هي فاعلةٌ للمرّةِ الثّالثةِ…

ماذا حدث؟

الرُّؤيــــــا:
بلمحةٍ، اخترَقتُ شفافيةَ أبعادٍ، لأَجدَني أمامَ شاشةٍ كبيرةٍ يُرافِقُها صوتُ ذَبذباتٍ، أظهرتْ لي جملةَ ما مرَّ معي: من مَولِدي إلى وقتِ وقوعِ الحادثةِ وانتِقالي إلى العالمِ الآخرِ مواجهةٌ دَيْنونَتي. صرخْتُ محتجةً، لا. ليسَ بهذه السُّرعة أحلُ عن الأرضِ، لم يزَل أمامي الكثيرُ لأَفعلهُ! »
باستِغاثَتي أُمّي الأرضيّةَ، استجابَتْ أُمّي السّماويّة!
صارخةً من نياطِ قلبي، مُستغيثةً أُمّي الأرضيّةَ: ماما! ويا لعظيمِ اندهاشي، أنْ لَبّتِ استنجادي مريَمُ العذراء: رأيْتًها مُشعَّةً تنحدِرُ منَ العلاءَ، وما إن لمَسََت بإصبعِها السيّارة الغارقةَ في رمالِ الصّحراءِ والمنقلِبةَ، حتّى نُقِلْنا معًا إلى قارعةِ الطّريقِ!»
سَكَراتُ انتِقالي الأُعجوبيّ
مع استقرارِ السَّيارةِ، ترجّلَ مَن فيها على عجلٍ، ما عدايّ! لبِثتُ وحدي تَكتنِفُني حالةُ انتِقالي الأُعْجوبيِّ! ولو صادفَ أثناءَها مرورُ سيارةٍ في ذلك المكان الموحِش الحالك، لكانت دَهَسَتْني!
أمّا رفقاءُ الطَّريق، فلمَ يَنتبهوا بدايةٌ إليَّ مُنشغلينَ بمجرياتِ الحادثةِ مُتعجّبينَ من عودة السّيارة من عُمقِ الصّحراء إلى الطّريق! وإذ يتنبّهون بعد فترةٍ لِغيابي، هرَعوا لانتشالي من الباب الخَلْفيِّ بعدَ أن تعذّرَ عليِهم إخراجي من الباب الأماميِّ…
من ثمّ خَفَّ أهالي القُرى المُجاورةِ للإغاثَةِ يُرافِقهُم طبيبٌ.
العناية الفائقة:
ما إن وقعت عينا طبيبٍ القريَةِ عَلى البابِ الأمامِيّ ناحِيّتي هالَهُ رَوْعَ حالتهِ، مرجِّحًا إصابَتي بِنزيفٍ داخلِيٍّ، يَستدعي نَقلي إلى أقرب مُستشفى!
هناكَ بعدَ إخضاعي لِكَمِّن الفُحوصاتِ، قَرَّر الأطباءُ إدخالي العِنايةُ الفائقةُ: فلبِثتُ فيها أربعًا وعشرين ساعة، تسنّى لي في غُضونها التَّأَمُّلُ العميقُ في خواءِ أيّامي:
إنّي أُلعوبَةٌ في يدٍ القَضاءِ والقدرِ، يَلويني يمنةً ويسرةً، صارفةً الأيّامَ مُرتعشةٌ أُحدِّقُ في فضاءٍ مُظلمٍ…
إنّي شرارةٌ ضئيلةٌ مُكَتَنِفَةٌ بومضاتٍ باهتةٍ، مُكَبَّلةٌ، أَختَنِقُ في السَّحيقِ، أجرُّ زَيْفَ عواطفي، باكيّةً على أنيس فقدتُه أو مالٍ أضَعتُه!
… شاطِحةً في تأمُّلاتي داخِلَ «العنايةِ» استَحوَذَ عليّ جلَلُ اختبارِ «انتقالي» إلى «الفوق» ومشاهدتي كل ما قمت به ثم ظهور العذراء مريم التي أَعادت بإصبعِها السيارة من عمق الصَّحراءِ إلى «الطّريق».

بزوغُ نَبتَةِ وَعي
وكما يَفيضُ الأريجُ منَ الزّهْرِ، والنّصاعةُ منَ البَياضِ، والضِيّاءُ من الشَّمشِ، واللّهَبُ من النّارِ، واليَنبوعُ من جَوْفِ الأرضِ: هكذا تَفَجَّرَ حُبَّهُ فيَّ كاشِحًا عنّي الضَبابِيّة، لِيُحوِّلَني إلى جزءٍ من الكُلِّ:
جُزءٌ من بَحْرٍ هائجٍ، رياحٌ عاصفةٌ، سُحُبٌ منهمرةٌ، رَعدٌ مدوٍّ، برقٌ ساطِعٌ، نارٌ متأجِّجَةٌ، جِبالٌ شاهِقةٌ، أوْديَةٌ مُتهاوِيةٌ، حقولٌ مخضرَّةٌ مخصبةٌ، أشْجارٌ عارِيةٌ في الخَريفِ ومزهرةٌ في الرَّبيع…

إنعكاسُ الكَوْن
ألا أيُّها المُغفّلونَ، المُكبَّلونَ بِغرائزِكمُ، المُشتَعلونَ بشهواتِها: اطلُلبوا جذوةً مِن نيرانِ حبِّه لِتَحرِقوا دناءاتِكم!
بحبِّه، تدورُ الذرّاتُ، مُلتزمةً أفلاكَها، والجزئيّاتُ محاورَها…
بحبِّه، يَنهمرُ المطرُ، جارِيًّا في الجَداوِل، وتسافرُ السّواقي والأنهارُ إلى بِحارِها…
بحبِّه، تَنْدَى البراعِمُ، تَنمو البُذورُ، ناشِرةً أزهارًا، تؤذِنُ بإشراقةِ الرّبيع…
بحبِّه، تَتصاعدُ غمامَةٌ بيضاءُ، تَمتزجُ بآفاقِ الشّفقِ تَكسو الفَضاءَ لِترويَ قَحْطَ الأرضِ!
بحبِّه، تُغرَسُ الشَّجَرَةُ في ضفّةِ نهرِ الجَمالِ، متغلغلاً البلبلُ على حُروفِ أغصانِها، صادِحًا بأعْذَبِ الأنغام…

روحٌ مُتَّقِدةٌ
ها حبُّه كَساني وداعةً، غذّاني حَنانًا، ألهمَني الإلهياتِ، استَبْدَل غمّي أنغامًا أشفَّ مِنَ التَهامُسِ، ووحدَتي أُنسًا أرْهفّ من تَغاريدِ العَصافيرِ…
حبُّه حوّلني روحًا متّقِدةً، تَرتعشُ من صَداها الأغوارُ، تعكِسُ الكَوْنَ بأسرِه
(الى العدد القادم)