منذ ستة وثلاثين عاماً أحسست أن عليَّ واجباً وهو طبع كتاب يضم بعض الحوارات بين والدي أنيس روحانا ورفيقه علي الحاج القماطي .
قدّمت لهذا الكتاب بما هو أمامكم وسأتركه بالمحكية اللبنانية كما كتبته .
ولماذا تنشر هذه المقدمة في “غادة”؟ لأننا نترسّل لفن الزجل الذي قال عنه سعيد عقل في مقدمته لكتاب أنيس روحانا ” طلاَت النسر” : هو للبنان كما الأهرام لمصر…” ولأن علي الحاج وأنيس روحانا هما عنصران من أول جوقة زجل في لبنان والعالم.
محاورات من
جوقة شحرور الوادي
علي الحاج حسين ناصر الدين
أنيس أمين روحانا
مقدمي
بقلم
رفيق انيس روحانا
مقدمي غير شكل ؟ ما في مانع . هيك كان راي ببي ، أنيس روحانا ، الشاعر الزجلي الوحيد الباقي من أول جوقة زجل ع أرض لبنان ، والله يطول بعمر هـ البركي .
أنا وعمجمّع المحاورات من الجرايد العتيقا والوراق المخرقا ومكتوبي بخط إيد ، وبالكاد مقريّي ، كنت إستوحي ملاحظات ، مش قليل ما كانت تشعّرني بلزّة القرايي أكتر . كانت ترجعني لأيام زهوة المنبر ، وإعتبر حالي عدت حضرت كل حفلات بيي، أنا لما سمحلي الزمن إحضر منا إلا شي قليل .
مرا أنا وعمخبر بيّي هـ الملاحظات قلّي : وليش ما بتكتبا مقدّمي للديوان ؟ وعملت برايو . وكانت هـ المقدمي الغير شكل ، والهيّي مجموعة ملاحظاتي ، منضاف عليا زكريات كان : يرويلي ياها بيّي عن أيام المنبر الحلوي .
الإرتجال بيفرض ع الشاعر ما يسكت . إذا سكت راحت عليه . أكتر ، إذا تأخر تا يجاوب بيعتبروه السامعين نهزم . وهيك بيضطر شاعر الارتجال ، ببعض أوقات ، إنو يقول شي حيالله ، بس يقول وما يسكت . ومع هـ الحيالله ، بيضل الارتجال روعة الزجل المنبري ، ع القليلي بساعة الساعا
ولما نقلت هـ المحاورات تركتا متل ما هيّي ، حلوي حلوي ع بساطتا . قلي بيّي لما عرضت عليه إنو يعيد النظر ببعض أبيات : تركا متل ما هيي . نقلا بصدق وأماني . هيدي بنت الإرتجال ، ومش عيبا يكون فيا شوية نقص . هيك الناس حافظينا وبيحبوا . المنبر صراع بالكلمي الشهمي . وكل العنف المنشوفو بشعر المنبر هوي إبن الشوكي العمتداعب مش ابن خنجر الغدر . من هون كان تقطيع الروس يجيب البسمي والضحكي مش الخوف . كانوا الناس يسمعو حكي عن القنابل والسيوف . . . ويزقفو لتنين عميقطعو روس بعضن ، وبالآخر هـ التنين يدقو الكاس بالكاس ويسرّبو ع قلوب الناس تنين بيحبو بعضن اكثر مما حدا بيتصور . هوي وبيي عميحكي عن رفيقو علي الحاج ، كنت اسمع منو دايمن متل هـ الكلام : « خيّي علي متل قرمة السنديان بتضربو بالفراعا بتعلق فيه وما بتكسرو … » « عمك علي كان عظيم » « خيي بو حسين . . . » إي . . تقطيع الروس والسيوف والخيل . هني بالنتيجي رموز بطولي وشرف وشجاعا . . .
وأكبر دليل إنو تقطيع الروس لعبي من لعب الشهامي إنو لما تعلق الردي مع شاعر يتدخل رفيقو ويخلص الموقف بحركي نبيلي أو بكلمي حلوي . خصم يخلص خصمو من موقف صعب كانت شغلتو ، متل ما عميدعي ، إنو يحطو فيه ؟ هيدا منتهى النبل .
الزجل مدرسة شهامي بيخلقا المنبر بالناس . هيك بيقول سعيد عقل بمقدمتو لكتاب « طلات النسر » ، الكتاب الأخد جايزة سعيد عقل عن شهر تموز 1975 : « بيظهر إنن ولدو سوا عنا . الكلمي البتقاتل والسيف البيقاتل … وصار معروف ، اليوم ، إنو الضيعا اللبنانيي الطيلعت واحد من أهل هـ الفن ، أو كانت مغرومي بهـ الفن ، ما بترتكب ولا غلطا من غلطاتنا السياسي ، ما بتحني راسا لأجنبي ولا لقرش ، أشرف بي مدرسي بلبنان الزجل . . . » ـ
« أنا » شاعر الزجل مش بنت الأنانيي ، بنت الفخر بالانسان بالمطلق ، باللبناني بالمطلق . أكتر من مرا كنت أشعر أنو الشاعر عميقول هـ « الأنا » وعميقصد لبنان ، مش عمیقصد حالو . هـ « الأنا » طيبي طيبي . ما فيا لا غرور ولا كبريا ، فيا شموخ وعنفوان إبن هـ الأرض اللي عطت العالم تلتين الحضارا وبعدا عمتعطي ورح تضل تعطي مهما صار ، مهما
عاكستا ظروف ، مها تشوهت صورتا بوقت من الأوقات . لما شاعر المنبر بيقول « أنا » الناس بيزقفو ، والقلوب بتطير من مطارحا ، لأنو الناس بيعرفو انو هـ الأنا هيي « الهنّي » البيتمنو يكونوا .
ـ هـ المحاورات بيصير وأطيب وأجمل إذا قدر العميقرا يرجع حالو بالخيال ع منبر الزجل الارتجالي ، يتخيل الناس قاعدين حول تزكة العرق جاهزين للكيف وناطرين الشاعر تا يحكي الكلمي الفيا من الغرابي والنكتي والشعر سوا . هيك بيصير العميتخيل هوي ؟ كمان عميحضر الحفلي مش عميقراها ، ويمكن ساعتا ما يعود قادر إلا يدندن الأبيات ويسكر بالكلمي والنغمي .
ـ في محاورات كان يورد فيا أسامي بتدل إنو هـ المحاورا ، متلن ، نعملت بالكحالي ، ببحمدون ، بالوادي . . . وفي محاورات ما ورد فيا أسامي ولا قدرت أعرف وين نقالت ، ولا بيي بيتزكرا كلا . ولهـ السبب تركت المحاورات بلا عنوان ، معليش . يعتبرا العميقرا صارت بضيعتو . ويمكن يكون هـ الإعتبار صحيح . مين بيعرف !
أكيد هـ الكتاب ما جمع كل المحاورات اللي تبارو فيا بيي وعلي . حوالى 300 صفحا شو ممكن يجمعو تا يجمعو ؟ وقول ألوف الصفحات ؟ بيي وعلي وقفو ع المنبر 15 سني مع الشحرور و 30 سني بعد موتو ، وكانت جوقة شحرور الوادي تعمل بمعدل 100 حفلي بالسني وكل حفلي بدا عشر صفحات . هيدا عدا المحاورات الما كانت ع المنبر ، بالعراس والسهرات الخاصا والأزاعات والتلفزيون . . . حوالی ۳۰۰ صفحا وبس ؟ معليش . حبون معي هـ المحاورات وقولو نشالله نقدر نطبع أكتر من كتاب .
كمان بلفت النظر إنو مش كل محاورات بيي وعلي موجودي . الموجود جزء من عشرا ، وبرضو مش قلال وبيعملو دواوين ودواوين .
كان الزجل مناسبات كَيْف ومحبي . الحفلي ما تخلص لما تنزل الجوقا عن المنبر ، كانت تتكفى بين الناس ، وترجع تنقل ع البيوت . أوقات ببي ما يرجع من الحفلي ع البيت إلا بعد إيام . الأهالي ما يخلو الجوقا ترجع ع بيوتا إلا ما تزور كل بيوت الضيعا تقريبن . وبكل بيت تدور حفلي تاني وتالتي ورابعا . . . مش بس بين أفراد الجوقا ، كمان مع الأهالي اللي أكتريتن يبقو حابين يتحاورو مع الجوقا ، وأكتر هـ الجلسات الخاصا مش مسجلي .
أنا تعرفت ع كتير من الناس اللي شهدت بيوتن محاورات . بس ما قدرو يعطوني إلا ردات متفرقا حلوي حلوي ونشالله بجمعا بكتاب لوحدو .
كنت أنا وعمدون هـ المحاورات تا ودين ع المطبعا أوقف عند الردي وفكر شو ممكن يكون الجواب . هـ الوقفات كان تمنحني لزي كبيري وسعادي . كنت حس شو هي خطورة الوقفي ع منبر وأعرف قيمة الشاعر القدر يخلص حالو بجواب زكي وحلو .
إنت العمتقرا هـ المحاورات , جرب وقاف متل هـ الموقف بتربح سعادي ما بتدوق طعمتا إلا وانت بحفلة زجل ناطر الشاعر تا یجاوب رفيقو وقلبك عميدق خايف عليه ما يقدر .
ـ بين هـ المحاورات شقف بتزكر بأيام الشحرور . نقيت كمّيّي قليلي كتير ، وتركت الباقي تا ينشر ونبيل ابن الشحرور بالديوان العميحضرلو ونشالله بيطلع عن قريب .
تعمدت أورد حفلي كاملي من أول كلمي لآخر كلمي . نقلتا عن آلة تسجيل لصديق كان حاضر هـ الحفلي اللي نعملت بجسر لباشا سنة ١٩٦٢ ، والقصد إني أعطي فكرا صحيحا عن حفلات جوقة شحرور الوادي بشكل مفصل وكامل .
– ليش 99 ٪ من هـ المحاورات بين بيّي وعلي بس ؟ لأنو كانت جوقة الشحرور مقسومي ع المنبر قسمين . بني يحاور علي ، وإميل رزق الله يحاور طانيوس عبدو . وقليل ما تحاورو مع بعضن إلا من ضمن هـ النظام . بين وراق بيي لقيت محاورا بينو وبين إميل لأنو علي غاب عن الحفلي بسبب المرض . هـ المحاورا ضميتا للديوان .
ـ تعو نحضر حفلي لجوقة شحرور الوادي . السهرا بقهوة جسر الباشا ع ضفة نهر بيروت والأنوار مشعشعا بين السجر العتيق وع غصونو ، وشالحا شوية نور ع جسر مش باقي منو إلا ربعو تقريبن ، بس هيبتو بعد كلا موجودي . هيدا العميستقبلنا ع الباب هوي صاحب القهوي بزاتو . وهيدي الطاولي الآخدنا عليا هيي الطاولي الحجزناها من تلاتيام. وهودي الأربعا القاعدين تحت هك السجرا الكبيري هني علي الحاج وأنيس روحانا وإميل رزق الله وطانيوس عبدو .
ـ الناس عميتوافدو وياخدو مطارحن حول الطاولات ، وتزكات العرق رايحا وجايي وفرحة الانتظار مخيمي ع الكل . اكتمل عقد الحاضرين وبلشنا نسمع عجقة حكي ع الباب . هيئتو في ناس ما بقا إلن مطرح . كم شب راحو دقو ع بواب الجيران واستعارو من عندن كم كرسي وأمنو حالن . بلش التزقيف يشتغل والحاضرين عميطالبو الجوقا تبلش .
وتحركو الأربعا من تحت السجرا العتيقا والزقيف ضج بإيدين كل الناس والمنبر استقبل أربابو . علي وأنيس ع طراف المنبر وبيناتن إميل وطانيوس ، وكل واحد منن بإيدو دف ما عدا علي الحامل دربكي . خلف الجوقا تجمعو خمس ست شباب ، هودي جوقة الردادي . التزقيف بعدو ما هدي . الدربكي والدفوف بلشو وما سكتو ، لا هني ولا التزقيف إلا لمن بلش علي الحاج ينغم قصيد بصوتو الهادي الصافي . شكر الحاضرين وصاحب القهوي واهل منطقة جسر الباشا ولبنان . وهيك عملو أنيس وإميل وطانيوس ، بس بردات مش بقصاید .
وفجأا تنطح واحد من الجوقا وولع فتيل المداعبي . هاجو الناس وماجو ، وبلشنا نشعر إنو القهوي مقسومي لتنين . ناس عميزقفو أكتر لهـ الشاعر وناس لهداك . وحميت الحديدي ، وصار الكون كلو هون « هل جنة الله إلا حيثما هنئت عيناك ؟ . . .
الأربعا عميتحاورو ويهاجمو بعضن . شوي نحصرت المحاورا بطانيوس وإميل وامتدت شي ساعا وأكتر . علي حاول ياخد عن رفيقو طانيوس ، وأنيس حاول ياخد دور رفيقو إميل ، بس الناس بعدن عميحمسو إميل وطانيوس . وفجأا صهلت خيول أنيس بردة معنی عمیطالب فيا علي إنو يسرج خيلو ويشرف ع الساحا . وطلطل علي . وشعلت القهوي جاس .
كمان محاورا بالمعنى والقصيد والقرادي ، كانت تشيل الناس من مطارحن . قرب يصير نص ليل والحفلي كأنا هلق بلشت . الناس ما بدّا تخلص المحاورا . هون تدخل إميل وفتح باب الغزل ، السيوف تضبضبو والخيل اختفو وطلت الحلوي من بين حروف الكلمات صبي بريئا طيبي سهرت معنا اكثر من نص ساعا ونعوست بعد قصيدة الختام اللي قالا علي الحاج .
هون خلصت الحفلي ع المنبر . بس في ناس ما رح يفلو قبل طلوع الضو ، ولا رح يخلو الجوقا تفل . نزلت الجوقا عن المنبر وكملت بين الناس متل العادي تيستقبلو سوا بسمة الصبح الصافيي .
نحنا تركناهن هون وفلينا بس أهالي جسر الباشا ، متل ما عدت عرفت ، صارو يتناوبوع عزيمة الجوقا ع بيوتن ، وبيي ما رجع ع وادي شحرور إلا بعد كم يوم .
وادي شحرور
ربيع 1985